/ صفحة 45 /
رغم الدعاية الواسعة التي قات عليها هذه البعوث، ونصها: (وللكامل هفوة جرت منه عفا الله عنه، وذلك أنه سلم مرة بيت المقدس إلى الفرنج اختيارا، نعوذ بالله من سخط الله وموالاة أعداء الله).
وصفوة القول أن معاهدة من طراز المعاهدة الكاملية الفردريكية لم تكن مما ينبت من شيم العصور الوسطى في الشرق والغرب، بل لم يكن من المقبول أو المعقول عند أهلها، ولذا فكل من الكامل وفردريك ليس من أبناء تلك العصور. وكيفما يكن فالمعروف أن حسن العلاقات بين فردريك والبابوية لم يظل طويلا، لأن مسألة النزاع والتخاصم فيما بين الإمبراطورية والبابوية، وهي المسألة التي ملأت غرب أوربا بالحروب منذ أواخر القرن الحادي عشر الميلادي، ثارت من جديد بسبب إصرار فردريك أن تكون إيطاليا والبابوية طوع بنانه وسلطانه وحكومته الإمبراطورية المستنيرة، وإصرار البابوية أن تكون هي صاحبة السمو والجلالة في شئون الدنيا والدين، باعتبار الجالس على كرسيها خليفة المسيح في الأرض. ورأى فردريك أن حرب البابوية يتطلب سلاحا مذهبياً مضاداً لمذهب البابوية، لا جيوشاً وأسلحة فحسب، واستوحى في سبيل ذلك ما عَمِر به رأسه من أحلام المنتبئ وتنبؤات المنجم، بالإضافة إلى القانون الروماني الذي أضحى بعد إحيائه في الجامعات الأوربية وقتذاك مرجع الدعاة لمختلف النظم وأساليب الحكم. ثم ما لبث فردريك أن دلته سجيته السياسية النافذة على أنه ليس أمضى سلاحا من مذهب التقشف عند الإخوان الفرنسسكانيين، لمحاربة الدعاوي الدنيوية التي أصبحت ديدن البابوية، فسلط من طلاوته وعمقه في الجدل ما شاء أن يسلط، وأعلن في عبارات تهديدية غامضة عن قرب إقامة كنيسة إمبراطورية جديدة تحل فضائلها محل مفاسد البابوية، على قوله.
وبعد. فلا حاجة لباحث في هذا الموقف الذي اتخذه فردريك الثاني من البابوية للتدليل منه على مبلغ ما امتلأت به شخصيه من جسارة، وهو الإمبراطور المسيحي في العصور الوسطى المسيحية، فإن في حياة فردريك وتفكيره وسياسته منذ