/ صفحة 437/
و كذلك كان شأنه مع عمر بن الخطاب حين عهد إليه أبو بكر بالخلافة بعده، فقد حبس معه أيضاً رأيه في نفسه، وعامله كما كان يعامل أبا بكر، ولم يظهر في سبيل رأيه فرقة ولا انقساما، بل طلب عمر منه أن يزوجه بنته أم كلثوم، وكانت قد ولدت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فذكر له علي صغرها معتذراً به، فقيل لعمر، انه ردك عنها فعاوده، فقال له علي: ابعث بها اليك، فان رضيت، فهي امرأتك، فاسل بها إليه فرضيها، فتزوجها فولدت له ولديه زيداً ورقية.
و كذلك كان شأنه مع عثمان بن عفان حين آلت إليه الخلافة بعد عمر في قصة الشورى المعروفة، وكان علي يرى أنه تخطى فيها عن مؤامرة، ولكنه حبس رأيه في نفسه مع عثمان أيضاً، ولم يحاول أن يحدث فرقة أوانقساماً معه، ولما خرج عليه الخوارج في آخر خلافته لم ينتهز فرصة خروجهم عليه، ولم يحاول أن يستغله لمصلحة نفسه، بل كان يبدى فيه الرأي الصحيح ويحاول أن يهدىء تلك الفتنة لمصلحة عثمان ومصلحة المسلمين، ولما وصلت إلى الحد الذي يخشى منه على عثمان، أرسل ابنيه الحسن والحسين ليدافعا عنه، مع أنه كان يخالف رأيه في تهدئتها، ومع أنه كان من مقتضى رأيه أنه أحق بالخلافة منه: أن يتركه للخارجين عليه، ولكنه أبي الا أن يمضى إلى النهاية فيما ضربه للمسلمين من المثل الأعلى في الخلاف في الرأي.
و لما أراد الناس أن يبايعوه بعد عثمان، لم يسرع إلى قبول بيعتهم، ولم ير أن الفرصة قد سنحت له لتحقيق رأيه، لأنه لم يكن يراه لمصلحة نفسه، بل كان يراه لمصلحة المسلمين، فامتنع ممن عرض عليه البيعة، ولم يجبهم الا بعد أن ألحوا عليه، ورأى أنه لابد أن يقبل ليجمع ما تفرق من كلمة المسلمين، وقد دعا الزبير ابن العوام وطلحة بن عبيد الله، وقال لهما: ان أحببتما بايعتماني، وان أحببتما باعيت أحدكما، فقالا: بل نبايعك. ثم جيء إليه بسعد بن أبي وقاص ليبايع، فقال له: لا أبايع حتى يبايع الناس، والله ما عليك مني بأس، فقال لهم: خلوا سبيله، ثم جيء إليه بعبد الله بن عمر ليبايع. فقال لا أبايع حتى يبايع الناس. فقال له علي: ائتني بحميل ((كفيل)) فقال: لا أرى حميلا فقال: الأشتر: خل عني أضرب عنقه.