/ صفحة 436/
أبا بكر فبايعه، وقيل انه لم يبايعه حتى ماتت فاطمة، وذلك بعد ستة أشهر لموت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأرسل علي إلى أبي بكر فأتاه في منزله فبايعه، وقال له: ما نفسنا عليك ما ساقه الله إليك من فضل وخير، ولكنا نرى أن لنا في هذا الأمر شيئا، فاستبددت به دوننا، وما ننكر فضلك.
و هذا صريح في أن علياً حين بايع أبا بكر كان لا يزال على رأيه في أنه أحق بهذا الأمر منه، ولكنه رأي أن يجمع الكلمة بمبايعته له، وألا يجعل رأيه سبباً في الفرقة بين المسلمين، ليضرب بهذا أعلى مثل لهم في التسامح عند الخلاف في الرأي، وفي أيثار المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، ان صح أن نذهب إلى أنه كان له في رأيه مصلحة تعود عليه وحده، والحق أنه كان يرى هذا لأنه كان يرى أنه هو وآله أقدر على مصلحة الناس من غيرهم، لقرب صلتهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأنه يقوم بها وازع نفسي يجعلهم أقرب إلى أيثار العدل، وأميل إلى إنصاف الناس.
و ما ان بايع علي أبا بكر حتى حبس رأيه في أنه أحق منه بالخلافة في نفسه، فأخلص له في سره وجهره، ولم يضمر حقداً عليه ولا ضغنا، ولم يحاول أن يكيد له أو يأتمر به، بل وقف منه في حرب الردة موقفاً يدل على كمال الاخلاص، ويعلن عن تمام الود، فان أبا بكر حينما خالفه المسلمون في حرب المرتدين، وما نعى الزكاة، خرج وحده شاهراً سيفه إلى ذي القصة، فلحقه علي فأخذ بزمام راحلته، وقال له: إلى أين يا خليفة رسول الله؟ لا تفجعنا في نفسك، فو الله لو أصبنا بك لا يكون للاسلام نظام، فرجع أبوبك رو مكث بالمدينة وسمع هذه النصيحة الخالصة من علي، هذه النصيحة التي تدل على حرصه على حياته، مع أنه يرى أنه قد اغتصب منه الخلافة، ولوانه تركه يخرج وحده لكان في خروجه ما يقربه من أمله فيها، ولكن نفس علي كانت أكبر من أن يخالجها هذا الأمل، لأنه بايع وحبس رأيه في نفسه، فليخلص في بيعته كما يخلص كل من بايع قبله، وليخلص في نصيحته، وان كان في خلافها مصلحة له.