/ صفحة 42 /
في حملة صليبية، وأقسم في حماسة الشباب أن يقوم على رأس حملته المرجوة إرضاء للبابوية التي ساعدته على الوصول إلى العرش الإمبراطوري. وفي هذه الأثناء تكونت الحملة الصليبية المعروفة بالخامسة، ولم يسهم الإمبراطوري في تكوينها بنصيب كبير أو صغير، واستولت تلك الحملة على دمياط سنة 1219م، وأقامت بها مدة سنين تقريبا، استعداداً لما بيتته من الزحف جنوباً نحو القاهرة، وانتظاراً لما عسى يمدّها به فردريك من نجدة يكون هوعلى رأسها. وزحفت هذه الحملة أخيراً نحو الجنوب تريد القاهرة، فانهزمت عند دمياط، وسلّمت للسلطان الكامل محمد سنة 1221م، دون قيد أو شرط، ما عدا الأمان العام والجلاء التام عن البلاد والشواطئ المصرية. كل ذلك والإمبراطور في شغل بإمبراطوريته، عاكف على تأجيل الوفاء بنذره مرة بعد مرة، إلا فرقة ألمانية صغيرة وصلت إلى الشواطئ المصرية والحملة الصليبية المتقدمة على وشك الجلاء، فعادت هذه الفرقة دون أن تؤثر في الموقف أي تأثير.
والعقل الحديث لا يستطيع إلا أن يرى شيئاً من الغرابة في موقف البابوية التي توسّمت في إمبراطور حديث السن أن يقوم على رأس حملة صليبية كثيرة التكاليف عبر البحار، غداة اعتلائه عرش إمبراطورية مزقتها الفوضي أثناء وصاية طويلة، وتراءت تلك الغرابة كذلك لفردريك، فلم يفكر تفكيراً جدياً في مغادرة الشواطئ الأوربية إلا بعد أن نظم حكومته في صقلية، حيث أخضع المسلمين والنبلاء الصقليين المسيحيين، والمدن الصقلية، وبعد أن أنشأ جامعة نابلي بإيطاليا، فضلا عن أنه لم يرد أن يقود حملة صليبية على غرار الحملة الفاشلة الخائبة التي فضلت الاستمساك بمدينة هي دمياط نزولا على رغبة البندقية وأطماعها التجارية، عن أن تستعيد مملكة هي بيت المقدس إحتراماً للفكرة الصليبية وأهدافها المسيحية. ثم إن فردريك أراد أن يفيد من غلطات تلك الحملة، وان يستغل السلطان الكامل محمداً وسياسته، وأن يسوي ما بين المسلمين والصليبين، لا بالسيف والنار والحديد