/ صفحة 41 /
سياسية عنيفة، صيرته إمبراطوراً سنة 1212م، بمساعدة وصيّه البابا إنو نسنت الثالث. وبدا فردريك طوال عهده الإمبراطوري شخصيته ملؤها الحيلة والتحدي والتقلب، في صورة تبهر العقول والأبصار، واتصف بصفات قل أن تجتمع في رجل واحد، إذ أجاد الكتابة والكلام في ست لغات، ونظم الشعر العاطفي في نغم دافئ دفء أنعام الصقليين الذين نشأ بينهم، وأغدق من ماله وعنايته لتشجيع العمارة والنحت والتعليم، وهو إلى ذلك جندي بارع، وسياسي لبق إلى أقصى درجات اللباقة، ومع الجسارة التي لا تخشى خاشية، والنزعة الفكرية الجانحة إلى ميادين الفلسفة والفلك والهندسة والجبر والتاريخ الطبيعي، وألف فردريك في البيزرة ـ أي علم تربية الطيور الجوارح ـ كتاباً هو أصل من أصول العلوم التجريبية في غرب أوربا، واصطحب في أسفاره مجموعة من الفيلة والهجائن وعجائب المناطق الاستوائية الحارة من أنواع الحيوان، ولم تكن الكوابت والتقاليد المسيحية في ذلك العصر مما يأبه له فردريك الذي نشأ في صفلية، حيث ملتقى الاجناس والاديان، بل اصطنع المسيحي والمسلم واليهودي، وعرف لكل منهم قدره ومقامه.
ودهش المعاصرون لإمبراطور مسيحي يتكلم العربية إلى رعاياه من المسلمين بصقلية، ويقتني الجواري المنشآت في القصور، وينأى عن التعصب الذي طفح به اعتقاد ذلك العصر. الواقع أن ثمة صفات خارقة اجتمعت في هذا الإمبراطور الذي عالج شئونه السياسية في نشاط هائل وواقعية بصيرة، واشتهر بدقة الذوق الفني، وبدا كالشرقي في عاداته وحياته الخاصة، كما اشتهر بالتصوف والتشكك في آن في احد، مع الجرأة والثورة على القديم في جميع مناهجه وآرائه. وإذن فلا غروان ينعت المعاصرون الأوربيون فردريك الثاني بأنه أعجوبة العال، وأن يظلّ ذلك الأمبراطوري كذلك على مرّ القرون، وأن يشهد المعاصرون الشرقيون والغربيون منه بفلسطين ما عقد ألسنتهم عجباً وإعجاباً.
افتتح فردريك الثاني عهده الإمبراطوري، وفي عنقه نذر الذهاب إلى الشرق