/ صفحة 412/
ومتأخروهم إلى عهد الشهيدين يدرسون المذاهب الخمسة لطلاب القبيلين، وكتبهم مشحونة بأقوالها وأدلتها ورواياتها، لكن كان ذلك من جانب واحد، وأما من الجانب الآخر فلا، حتى انتهى ذلك إلى القنوط، فجردوا من القرن العاشر كتبهم من غير طرقهم وطريقتهم، ومع ذلك لم يتركوا العلم والمطالعة والحفظ لعلوم الجمهور، بل وتدريسها لأهل السنة، كما كان السيد مهدي بحر العلوم يدرس المذاهب الأربعة في الحجاز، إذ مكث هناك سنة وأكثر، وكذا غيره، حتى قالوا: لوكان الأمر كما تقوله الشيعة في شأن المهدي المنتظر فهو هذا المهدي.
و بالجملة فلابد في هذا العصر من اجراء هذا الأمر الثالث كي لا يطيش سهم التقريب عن اصابة الهدف المطلوب، سيما بين عوام القبيلين الذين جبلوا على ما يخصهم من مسائل الكلام والأحكام والشعائر والمراسم، فان هذه الخصائص هي التي أوهمت بعض الأعلام استحالة التقريب غفلة عن وقوعه ـ فيما مضى ـ بين كثير من علماء السنة والشيعة الذين لم يملك قواهم تفريقات الأهواء، ولم يطوق رقابهم أغلال التعصبات والآراء، من غير أن ينقلب السني منهم شيعياً، والشيعي سنيا، وكيف يوصم التقريب بوصمة الامتناع، ولا أقل من تأثيره في تقليل الخلاف واختيار التي هي أهذى وأقوم، أوفي الرضا باستماع القولين والتسالم والتصافى على نشر العلمين واحترام الثقافتين في التعاليم العامة والمؤتمرات الخاصة، أوفي خرق الأوهام والخرافات والمفتريات وشوإذ الآراء.
و أوهمت أعلاما آخرين، أن هدف التقريب رفع العداء فقط، وابقاء الخلافات على ما كانت، بزعم أن الخلاف طبيعي، فلا يزالون مختالفين، ولذلك خلقهم الله كما في الآية الكريمة غفلة عن أن ذلك إنّما هو بين الأمم لا بين أمة واحدة، على أن الآية تذم المختلفين ابتداءاً واستمرارا، ولذا استثنى الله منهم من رحمه وهم الذين لا يختلفون ولو رغماً على جبلتهم الكارهة لما أنزل الله، وطباعهم المتأبية عن قبول الحق، كالذين أسلموا من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم فالآية تذم الاختلاف على أي حال، سواء كان بين الأمم ببقائهم على الدين المنسوخ،