/ صفحة 411/
بذلك التوفيق بين كل شعبين، فانظروا أيها المسلمون إلى الامام مالك المدني، كيف راعى علوم كل قوم من الأمة وصوب الرجوع إليها، ولم يحصر الأمة في دائرة علمه.
ألم تسمعوا أن الرشيدين هرون، والمأمون، كل في عهده طلب منه أن يأذن في تعليق كتابه الموطأ بالكعبة، وأن يحمل الناس جميعاً على ما فيه فأبى وقال: ان عند كل قوم علما، وكل عند نفسه مصيب، واستشاره هرون أيضاً في تغيير منبر النبي صلوات الله عليه بمنبر مرصع بالدر والجوهر فأبى ابقاء على أثر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وايم الله ان علوم أهل بيت الرسالة وعلوم سائر الصحابة من أعظم آثار الرسول التي يجب ابقاؤها وحفظها، فان كلا منها منبر عام عليه امام ناصح، وزناد قادح، ونجم لائح، فلا يجوز أن يعرض عنها المسلمون، ويأخذوا بعضا ويتركوا بعضاً، وكلها مما آتاهم الرسول (( وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا)).
و هذان الوجهان ما لم ينضم إليهما الأمر الثالث المبنى على إعادة المسلمين إلى هدى السلف في العقائد والفقه بالطرق الهادية إليها من طرق الصحابة وطرق أهل البيت، وعلى تدريس الفقه الجعفري وسائر العلوم آل محمد العترة الطاهرة في ممالك السنة فقهاً وأصولا وكلاما وتفسيرا، لم تكن للتقريب والوحدة المطلوبة صورة عملية تزيل الوحشة والنفور وتؤنس الأبصار والأسماع بأحكام كل قوم وأعمالهم ونسكهم ومنهاجهم وربما تجمعهم على شاكلة واحدة وثقافة متحدة ينتابها ويرتادها السني في تسننه والشيعي في تشيعه، وقد كان في مدرس الامام جعفر بن محمد، من أئمة السنة جم غفير يروون عنه ويتتلمذون عليه ويعملون بفتاواه، وهم على تسننهم إلى أن قضوا نحبهم غفر الله لهم ولنا جميعاً، ولولا اجراء هذا الأمر الثالث كان الأمران المذكوران أشبه بالتعليم الأخلاقي والنصح العام منهما بدستور عملي مقدس يعمل به لو تدريجاً في الملأ والمجامع من غير خوف وتقية وهزء وأذية، ويقرأ ويدرس في المدارس بلا اضمار غل، ولا سوء طوية، وقد كان قدماء الشيعة