/ صفحة 408/
ماذان به الأولون السابقون المقربون في العقليات والفطريات، ولا يجوز الاكتفاء بأحد الطريقين عن الآخر، حتى أن المتقدمين كانوا يكتبون عن كل محدث بل كانوا يرحلون إلى شقة نازحة لطلب حديث واحد كيلا يشذ عنهم شيء من علم الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فإذا فعلوا ذلك وسلكوا السبيلين وتلقوا علم الله تعالى من كلتي يديه المبسوطتين زالت الوحشة عما بين المعشرين، وحصل التقريب والتعارف بين القبيلتين أصولا وفروعا، كل ذلك من غير أن يتشبع سني أو يتسنن شيعي.
طريق التصالح بين السنة والشيعة في الامامة والخلافة:
فان ملاك التسنن الخالص عن الزوائد التعصبية إنّما هو صحة الخلافة الملية لا إنكار الإمامة السماوية المنصوصة، ولا الإعراض عن علوم أهل بيت الرسالة ورواياتهم وفتاواهم، كما أن ملاك التشيع الكامل اعتقاد الامامة المنصوصة لعلي والائمة الأحد عشر من ولده وافتراض طاعتهم في العلوم الدينية لا ابطال خلافة من قام بمصالح الأمة مع العدل والزهد والأمانة على بيت المال لامكان رضا الامام المنصوص بها، ولو لصلاح الوقت وخشية الفتنة، وقد كان الأمر في الصدر الأول على هذا المنوال، فلم يكونوا يشترطون في صحة الخلافة الجمهورية انكار الامامة المنصوصة الخاصة الالهية لأهلها، ولا في الامامة بهذا المعنى المتقوم بالنص والعصمة والمعجز انكار صحة الخلافة للقائم بها دون الامام برضا الأمة أو برضا الامام، سيما إذا عهد النبي صلوات الله عليه وسلامه عليه أن لا يقوم الامام المنصوص بها، ولا ينهض لها حتى يبايعوه ويأتوه طائعين، فان مبحث الامامة ومبحث الخلافة مبحثان مستقلان لا يجب التناكر والتكاذب بينهما، وإنّما القى البأس والخلاف بينهما بعد ذلك، فما روعى طريق التسالم بينهما فكانت عاقبته أمر المفرقين بينهما في الأمة خسرا.
لكن مع ذلك ظهر في كل عصر جماعة من السنة والشيعة حفظوا السلم والوحدة بين المنصبين من غير أن يكذب أحدهما الآخر لعدم الاصكاك والاحتكاك بينهما