/ صفحة 393/
نقول: بلى! ولكن لا ينبغي أن يلتبس علينا الأمر بين سلطان ((الحق)) وسلطان ((الواجب)) ان سلطان الواجب أعلى: وان له لحقا في معارضة حقوقنا الطبيعية وفي تحديد مداها. وأي شيء أدخل في باب الحقوق الطبيعية من حقنا في المحافظة على حياتنا؟ ومع ذلك فان الواجب قد يفرض علينا أن نتنازل عن هذا الحق وأن نضحى بأنفسنا تضحية تامة في سبيل قضية نبيلة: أدبية أو وطنية أو دينية أو غيرها.
سيمضى السائل في اعتراضه قائلا: ان هذه كلها اعتبارات أخلاقية، وقضيتنا قضية حق وقانون.
أما أنا فأجيب بأن كل مشرع له الحق كل الحق في أن يجعل من القانون الأخلاقي قانونا مدنيا، بل قانونا جنائيا ان شاء. وهذا بالضبط هو ما صنعه القرآن حين أعلن حربا حقيقية على آكلي الربا.
2 ـ الدعامة الاجتماعية:
و لواننا نظرنا إلى القضية من ناحيتها الاجتماعية لظهرت لنا حكمة هذا التشريع وسداده في أجلى مظاهرهما.
لا أقول فقط ان حياة المجتمع تصبح حياة لا تطاق لوان كل فرد تمسك بحقه في أدق حدوده، ولم يجعل على نفسه سلطانا لفكرة البر والتعاون والتضامن والتراحم، بل أقول ان مجرد تقرير ربح مضمون لرب المال، بدون أن يكون في مقابل ذلك ضمان ربح للمقترض ـ أقول ان هذا الوضع وحده فيه ما فيه من محاباة للمال، وايثار له على العمل، وان الضرر الذي ينجم عن ذلك ليس من نوع الاضرار الادبية أو الاغلاط النظرية فحسب. (وأعنى بها قلب موازين الأشياء بوضع القيم الانسانية موضعا نازلا وتفضيل القيم المادية عليها)، بل انه يمس بناء الجماعة مسا عنيفا عميقا، ذلك أننا بهذه الوسيلة نزيد في توسيع المسافة وتعميق الهوة بين طبقات الشعب بتحويل مجرى الثروة وتوجيهها إلى جهة واحدة معينة، بدلا من أن نشجع المساواة في الفرص بين الجميع، وأن نقارب بين مستوى الأمة حتى يكون أميل إلى التجانس وأقرب إلى الوحدة.