/ صفحة 394/
ان اللمحة البارزة في التشريع القرآني، وكذلك في كل تشريع اجتماعي جدير بهذا الاسم، هي الحيلولة دون هذه المحاباة لرأس الماس على حساب الجمهور الكادح والسعي لتحقيق نوع من التجانس والمساواة بين أفراد الأمة.
انها لكلمات قصيرة ولكنها ذات مدى بعيد، تلك التي يرسم فيها القرآن دستور هذه السياسة، حيث يقول: ((… كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم)).
3 ـ الدعامة الاقتصادية:
وأخيراً هلم بنا لننظر إلى القضية من وجهة العدالة الاقتصادية البحتة.
يقول لنا أنصار مشروعية الربا ـ ولهم بعض الحق فيما يقولون ـ: ان الربح الذي يحصل عليه المقترض من عمله في المال الذي اقترضه إنّما ينشأ وليداً من التزاوج بين العمل ورأس المال، فكيف تخولون للعمل حقا في الربح ولا تخولون للمال حقه فيه، مع أنه زوجه وشريكه في هذا النتاج؟
ها هو ذا ـ فيما أرى ـ جواب هذه الشبهة:
أما أن الربح ليس ثمرة عنصر واحد بل ثمرة عنصرين متزاوجين فذلك حق لا شبهة فيه، وليس لنا أن نتلكأ في قبوله. غير أن المعارضين قد فاتهم شيء جوهري، وهوانه بمجرد عقد القرض أصبح العمل وراس المال في يد شخص واحد، ولم يبق للمقرض علاقة ما بذلك المال، بل صار المقترض هو الذي يتولى تدبيره تحت مسئوليته التامة، لربحه أو لخسره. حتى ان المال إذا هلك أو تلف فانما يهلك أو يتلف على ملكه. فإذا أصررنا على اشراك المقرض في الربح الناشىء وجب علينا في الوقت نفسه أن نشركه في الخسارة النازلة، إذ كل حق يقابله واجب أو كما تقول الحكمة النبوية: ((الخراج بالضمان)). أما أن نجعل الميزان يتحرك من جانب واحد فذلك معاندة للطبيعة … ومتى قبلنا اشتراك رب المال في الربح والخسر معا انتقلت المسألة من موضوع القرض إلى صورة معاملة أخرى، وهي الشركة التضامنية الحقيقية بين رأس المال والعمل. وهذه الشركة لم يغفلها القانون الإسلامي. بل أساغها ونظمها تحت عنوان ((المضاربة)) أو ((القراض)). غير أنه لكي يقبل رب المال الخضوع لهذا النوع من التعامل يجب أن يكون لديه من الشجاعة الأدبية ما يواجه به