/ صفحة 392/
الالهية أنزه شيء عن هذا الحرج والعنت: ((قل إنّما حرم ربى الفواحش)) (7 / 33) ((قل أحل لكم الطيبات)) (5 / 4) ((ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج، ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون)) (5 / 6).
يجب اذن أن تكون لهذا النهي دعائم قوية وأسباب معقولة تجعله في محزه من الصواب والحكمة. فما تلك الدعائم؟
1 ـ الدعامة الأخلاقية:
أول ما يكشفه الباحث من أسرار التشريع في هذا الباب هو بواعثه الأدبية الخلقية.
ان الضمير الانساني ليدرك بنوع من الحدس المباشر مدى الفرق بين الربح من طريق المعاملة (البيع) والربح من طريق المجاملة (القرض). انه ليدرك ذلك ويحسه حتى في الوقت الذي لا يستطيع فيه التعبير عن هذا الفرق. فان لم ندركه في آن ما فانما هي غشاوة الهوى وحب الأثرة، أو الغفلة وعدم التدبر، هي التي تخفيه عن أعيننا، على أن الأمر يبلغ من الوضوح حداً تحسه كل الضمائر والوجدانات في عملية ((الاعارة)) (للأشياء التي ترد بأنفسها إلى معيرها). أليس كل واحد منا يستنكف حقيقة من أن يطالب بتعويض مالي عن ماعون يعيره لمن يحتاج إليه، أو عن مساعدة أديبة كائنة ما كانت يقدمها لغيره، عملا بقواعد حسن الجوار وأدب الاجتماع؟ فلماذا يختلف النظر في الأمر حينما تكون المعاونة على وجه ((القرض)) (للأشياء التي يمكن أن ترد بمثلها)؟ مع أن الشأن في الحالين واحد، وهوانهما يختلفان عن البيع اختلافا جوهريا، ذلك أن الأمر البيع يتعلق بمالين مختلفين لكل منهما قيمته التي قد تزيد أو تنقص عن قيمة الآخر اما بسبب اختلاف الرغبات، واما بحسب قانون العرض والطلب، بينما المقصود في القرض كما في الاعارة هو استرداد الشيء نفسه، اما بعينه أو بشيء مماثل له تماما من جنسه فليس ها هنا أدنى قصد للمبادلة بين مالين، ولذلك ليس للمقرض أن يرفض قبول شيئه نفسه إذا أعاده له المقترض عند الأجل بحالته التي تسلمه عليها.
سيقول قائل: سلمنا بوجود هذا الفرق الجوهري بين الوضعين، ولكن أليس كل صنيع جميل له حق، في المكافأة؟