/ صفحة 391/
الجماعة وأعظم مقومات حياتها، وذلك بمنع وسائل احتكارهما أو اخفائهما من الأسواق، أو تعريضهما للتقلبات الثمينة المفاجئة.
وهي من الجهة الأخرى تحرص على حماية الفقراء والأغرار من طرق الغبن والاستغلال التي يتبعها بعض التجار الجشعين.
وواضح أن تسمية الربح المجتلب من طريق هذا التبادل الذي تنقصه الصراحة والأمانة باسم ((الربا)) اثما هي تسمية مجازية قصد منها إلى ابراز ما فيه من مخالفة لقانون الأخلاق، ومجافاة لقواعد الرحمة الانسانية. وذلك بتشبيهه بالربا الحقيقي الذي هو مثل في السحت وأكل المال بالباطل.
ـ 4 ـ
وجاهة التشريع القرآني
من النواحي الثلاث: الأخلاقية، والاجتماعية، والاقتصادية
* * *
ونعود الآن إلى موضوعنا الأصلي، وهو الربا الحقيقي، لنعالج فيه الجواب عن سؤالين مهمين:
أحدهمها: ما هي الأسباب المعقولة لهذا التحريم الصارم للمعاملة الربوية؟
الثاني: هل الحياة الاقتصادية في حالتها الحاضرة تعد ظرفا استثنائيا يترخص فيه بمخالفة هذا القانون؟
أما مسألة معقولية النهي أو عدم معقوليته، فانها قد أثيرت في عهد النبوة على لسان العرب أنفسهم فقد استنكروا هذه التفرقة بين البيع والربا قائلين: إذا أنتم منعتم ربح القرض، فامنعوا كذلك كل ربح يجتلب من طريق البيع، إذ هما سواء.
وكان رد القرآن على ذلك بتلك الكلمة الحاسمة، التي لا تقبل مراء ولا جدالا: كلا، ليس البيع مثل الربا، فقد ((أحل الله البيع وحرم الربا)) (2 / 275) على أنه لا يمكن أن يفهم من هذا الأسلوب أن أمر التشريع هنا يصدر عن ارادة جبروتية تقضى أحكامها تحكماً وتعنتا، فقد علمنا القرآن في غير موضع أن الأوامر