/ صفحة 390/
المقارنة بينهما على ضوء هذا المقياس الثابت. وهذا (الرجوع إلى المقياس الثابت) هو المعنى الذي قصد التشريع الإسلامي ابرازه حتى يكون كل من طرفي العقد على بينة في معاملته المالية، وحتى يجتنبا التدليس ويتطهرا من السحت المأخوذ بالحيلة والمكر.
فإذا صح ما ذهبنا إليه في تفهم مقاصد الشريعة من هذا الحكم لم يبق هناك حرج قط ـ كما أوضحه ابن القيم(1) في أعلام الموقعين ج 2 ص 273 ـ في أن تباع المصوغات الذهبية بأكثر من وزنها ذهبا، أو المصوغات الفضية بأكثر من وزنها فضة، لك لأن قيمة الصنعة قد قدرت هنا بمعيارها الواضح المحدد، الذي لا يدع مجالا لتزييف تراضى المتبايعين.
على أن هذه الرخصة في المبادلة بين الصياغة والنقد لا ينبغي أن تسرى على التبادل بين نقدين من نوع واحد مع اختلافهما في الأوصاف، بل الاعتماد في النقدين على تساوى العوضين وزنا (بدون اعتبار لجمال الضرب أو جدته أو عدد قطعه أو غير ذلك) هو الحل العادل، أوهو أعدل الحلول، إذ لو اعتبرت هذه الصفات ونحوها في النقود مبررة لزيادة قيمتها في المبادلة، إذا لأصبحت النقود نفسها بضاعة، وصارت معرضاً للمضاربة وتقلب الأسواق، وعادت محتاجة إلى معيار آخر لتقدير قيمتها، بدل أن تكون هي المعيار لغيرها.
ولكي نلخص فكرتنا عن القواعد التي وضعها التشريع النبوي في باب التبادل والتقايض، نقول: ان هذه القواعد تهدف إلى غرض مزدوج:
فهي من احدى الجهتين تريد أن تحمى النقود والأطعمة، وهما أهم حاجات
ـــــــــــ
(1) سلفه في هذه الفتوى معاوية بن أبي سفيان، ويخالفه فيها عمر بن الخطاب وابنه عبدالله وأبو الدرداء، راجع الموطأ في كتاب البيوع، باب بيع الذهب والفضة، ويرى ابن القيم أن هذا الاختلاف إنّما هو في الصياغة المحرمة كصياغة الآنية، وعلى هذا تكون الصياغة المباحة محل اتفاق على جواز الفضل فيها نقداً.