/ صفحة 389/
بأن تتساوى الكميتان المتبادلتان بينهما. فهل معنى ذلك أن الشريعة تتجاهل إلى هذا الحد فروق الكيفيات التي في كل من العوضين؟
ان الجواب على هذا السؤال نجد مفتاحه في الحديث الذي رواه مسلم في جامعه الصحيح. يروى لنا هذا الامام أن رجلا جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بشيء من التمر. فقال له النبي: ((ما هذا من تمرنا)) فقال الرجل: يا رسول الله بعنا تمرنا: صاعين بصاع. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ((ذلك الربا. ردوه، ثم بيعوا تمرنا. ثم اشتروا لنا من هذا)).
هاهنا نلمح الهدف الذي ترمى إليه القاعدة، ونطمئن إلى أنه ليس من شأنها أن تفرض على المتبادلين ـ اعتباطا أو تعنتا ـ تساوى الكمية بين صنفين مختلفين من نوع واحد، بل أنها على العكس من ذلك فتحت لهما باب الاختيار بين أمرين يمتنع معهما كل قهر والزام، حيث خيرتهما بين أن يتغاضيا عن الفروق الطفيفة التي بين الصنفين، أوان يلجأ في تقدير تلك الفروق إلى حكم القيمة النقدية.
ونحن إذا تأملنا في هذا الوضع نجهده ينطوى على حكمة عميقة ويقوم على مبدأ سليم من مبادىء التشريعين المدني والاقتصادي. ذلك أنه حيث يكون هناك كميتان متساويتان من نوع واحد ولكن احداهمها تمتاز بجودة أوصافها، لا يكون هناك مجال للتردد: أي المتبايعين أوفر حظا؟ فالذي يقبل الصنف الأقل جودة يقبله بملء حرية عن سماحة نفس وكرم طبع، وهو عالم بما يفعل. وليس الأمر كذلك في الحال التي تكون فيها الجودة من ناحية يقابلها وفرة في الكم من الناحية الأخرى، إذ نرى هاهنا تقابلا بين أمرين ليس بين طبيعتيهما مقياس مشترك ثابت صالح لتقويم كل منهما بالنسبة إلى هذا الحد المشترك، ثم بالنسبة إلى الطرف القابل والواقع أنه في هذا النوع من التابدل يلجأ كل من المتعاملين في نفسه إلى فكرة غامضة، وهي ارادة التضحية بما هو أدنى في سبيل ما هو خير منه. وهكذا يصبح قبولهما الظاهري للصفقة قبولا زائفا، وقد ينكشف عن خيبة أمل، ولا مخرج من هذا اللبس الا بالرجوع إلى القيمة الثمينة لكل بضاعة على حدة، ثم إلى