/ صفحة 388/
وقف أهل الظاهر بهذا الحظر عند الانواع الواردة في الحديث. وذهبت سائر المدارس الفقهية إلى اعتبار هذه الانواع أمثلة من قاعدة عامة تنطبق على سائر المواد التي تقوم عليها الحياة والتي مردها ـ في الرأي الراجح عند الفقهاء ـ إلى نوعين: الاثمان والمطعومات.
ومهما يكن من أمر في شأن هذا الاختلاف الفرعي، فان هذه القاعدة تقضى بتقسيم الاشياء التي يراد تبادلها إلى ثلاثة أضرب: ((الضرب الأول)) أن يكون البدلان من نوع واحد، كالذهب بالذهب، فها هنا يخضع التبادل لشرطين اثنين: التساوي في الكم، والفورية في التبادل، أعنى عدم تأجيل شيء من البدلين. ((الضرب الثاني)) أن يكونا من نوعين مختلفين من جنس واحد، كالذهب بالفضة وكالقمح بالشعير، فهنا يشترط شرط واحد، وهو الفورية، فلا يضر اختلاف الكم. ((الضرب الثالث)) أن يكونا من جنسين مختلفين كالفضة والطعام، فلا يشترط في هذا شيء من القيدين المذكورين. بل يكون التقابيض فيهما حراً.
هكذا كلما كان البدلان من طبيعتين مختلفتين تمام الاختلاف، بحيث لا توجد شبهة القصد إلى القرض بفائدة، فان الشريعة لا تضع أمام حرية التبادل حداً من الحدود، اللهم الا المبدأ العام في المعاملة، وهو تحرى الصدق والأمانة. فإذا ما أخذت طبيعة البدلين تتقارب، بدون أن تتحد، نرى عند المشرع شيئاً من الحذر المعقول، المبنى على احتمال أن يكون المتعاملان يقصدان إلى معاملة ربوية، ولذلك نجده مع ترخيصه لهما بتفاوت البدلين في الكم يحظر عليهما تأجيل أحد العوضين، سدا للطريق أمام فكرة الفرض المحرم تحت ستار البيع. أما إذا اتحدت طبيعة البدلين (مع التفاوت في الأوصاف والقيم طبعاً، والا لما كان هناك معنى للتبادل) فانه من السهل أن نفهم الحكمة التي من أجلها منع تأجيل البدل، وذلك أن من شأن هذا التأجيل أن يحمل في طيه فكرة محظورة، وأن يكون القصد هو القرض باسم البيع.
ولكن الذي يصعب فهمه هنا هو الزام المتبادلين في حال الدفع على الفور