/ صفحة 387/
(ب) السنة:
إلى جانب هذه النصوص القرآنية. نجد في بيان السنة النبوية ما هو أكثر تفصيلا وأشد صرامة، فان الرسول صلوات الله عليه لم يكتف بتحريم الربا على آكله كما ورد في القرآن الكريم، ولم يكتف بجعل المعطى والآخذ والكاتب والشاهد سواء في اللعن والاجرام، بل انه احاط هذه الجريمة بنطاق من الذرائع والملابسات جعلها حمى محرما تحريم الوسائل الممهدة إلى الحرمة الأصلية.
والطريف في أمر هذه الاضافة أنه جعل التحريم فيها على مراتب متفاوتة في تدرج حكيم ينتقل من الحظر الكلي إلى الاباحة التامة رويداً رويداً ماراً بكل المراتب المتوسطة بينهما.
هذه القاعدة الجديدة ليس موضوعها القروض، ولا الديون المتقررة، بل عقود البيع أو بالأحرى المقايضات، فبعض هذه المقايضات حظر الرسول الحكيم أن تكون مؤجلة، ولو بدون ربح، وأن يؤخذ فيها ربح(1) ولوكانت يداً بيد. وبعضها منع التأجيل فيها دون التفاضل، وبعضها لم يمنع فيها واحداً منهما.
واليكم نص التشريع المذكور في شأن المقايضات.
يقول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما رواه البخاري ومسلم وغيرهما: ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة))(2) والقمح بالقمح، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، يداً بيد، سواء بسواء، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)).
ـــــــــــ
(1) هذا المحظور (الذي يسميه جمهور الفقهاء ربا الفضل، ويسميه ابن القيم الربا الخفي) كان موضع اختلاف بين الصحابة وكان جمهورهم على القول بحمرته. أما بعض الباحثين العصريين الذين ظنوا أن هذا الاختلاف كان في شأن الربا القليل فقد انتقل نظرهم والتبس عليهم الأمر التباساً يؤسف له.
(2) وفي رواية أخرى: ((الدرهم بالدرهم والدينار بالدينار الخ)) ويلوح أن هذه الرواية هي التي اعتمد عليها معاوية في فتواه، أنظر الحاشية الآتية قريبا.