/ صفحة 384/
ففي الآية المكية يقول الله جلت حكمته: ((وما آتيتم من ربا ليربوفي أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتهم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون)) (سورة 30 ـ آية 39) هذه كما ترون موعظة سلبية: ان الربا لا ثواب له عند الله. نعم، ولكنه لم يقل ان الله ادخر لآكله عقابا. وهذا بالضبط نظير صنيعه في آية الخمر المكية (16 / 67) حيث أومأ برفق إلى أن ما يتخذ سكرا ليس من الرزق الحسن، دون أن يقول انه رجس واجب الاجتناب، ومع ذلك فان هذا التفريق في الأسلوب كان كافيا وحده في ايقاظ النفوس الحية. وتنبيهها إلى الجهة التي سيقع عليها اختيار المشرع الحكيم.
أما الموضع الثاني فكان درسا وعبرة قصها علينا القرآن من سيرة اليهود الذين حرم عليهم الربا فأكلوه وعاقبهم الله بمعصيتهم، وواضح أن هذه العبرة لا تقع موقعها الا إذا كان من ورائها ضرب من تحريم الربا على المسلمين، ولكنه حتى الان تحريم بالتلويح والتعريص لا بالنص الصريح. ومهما يكن من أمر فان هذا الأسلوب كان من شأنه أن يدع المسلمين في موقف تقرب وانتظار لنهى يوجه اليهم قصداً في هذا الشأن، نظير ما وقع بعد المرحلة الثانية في الخمر (2 / 219) حيث استشرقت النفوس إذ ذاك إلى وروى نهى صريح فيه، وقد جاء هذا النهي بالفعل في المرحلة الثالثة ولكنه لم يكن الا نهيا جزئيا: في أوقات الصلوات (4 / 43).
وكذلك لم يجيء النهي الصريح عن الربا الا في المرتبة الثالثة، وكذلك لم يكن الا نهيا جزئيا، عن الربا الفاحش: الربا الذي يتزايد حتى يصير ((أضعافا مضاعفة))(1) (3 / 130).
وأخيراً وردت الحلقة الرابعة التي ختم بها التشريع في الربا (بل ختم بها التشريع القرآني كله على ما صح عن ابن عباس) وفيها النهي الحاسم عن كل ما يزيد عن رأس مال الدين حيث يقول الله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا
ـــــــــــ
(1) هذا هو النص الذي اعتمد عليه اصحاب نظيرة الرخصة في الربا اليسير، وسنرى تفسيره قريبا.