/ صفحة 383/
سأسرد على مسامعكم، أيها السادة والسيدات، نصوص الشريعة الإسلامية من متابعها الأولى، تاركاً لكم أن تستخصلوا منها الجواب بأنفسكم.
(أ) القرآن:
ولقد يكون من المفيد في صدر هذا البحث أن نذكر أنفسنا بطبيعة المنهج التعليمي في القرآن، حينما يكون بصدد محاربة بعض الرذائل التي تأصلت في العرف العام، والتي توارثها الأجيال خلفا عن سلف، في أحقاب متطاولة.
ذلك أن القرآن في معالجته لهذه الأمراض المزمنة لا يأخذها بالعنف والمفاجأة، بل يتلطف في السير بها إلى الصلاح على مراحل متريثة ((متصاعدة، حتى يصل بها إلى الغاية.
كلنا نعرف ما كان منه في شأن الخمر. وأنه لم يبطله بجرة قلم، بل لم يحرمه تحريما كليا الا في المرحلة الرابعة من الوحي. أما المرحلة الأولى (التي نزلت في مكة) فانها رسمت الوجهة التي سيسير فيها التشريع. وأما المراحل الثلاث (التي نزلت بالمدينة) فكانت أشبه بسلم: أولى درجاته بيان مجرد لآثار الخمر، وأن اثمه أكبر من نفعه، والدرجة الثانية تحريم جزئي له، والثالثة تحريمه التحريم الكلي القاطع.
فهل يطيب لكم أن تدرسوا معي المنهج التدريجي الذي سلكه القرآن في مسألة الربا؟
انه لمن جليل الفائدة أن نتابع هذا السير لنرى انطباقه التام على مسلكه في شأن الخمر، لا في عدد مراحله فحسب، بل حتى في أماكن نزول الوحي، وفي الطابع الذي تتسم به كل مرحلة منها.
نعم، فقد تناول القرآن حديث الربا في أربعة مواضع أيضاً، وكان أول موضع منها وحياً مكياً والثلاثة الباقية مدنية، وكان كل واحد من هذه التشريعات الأربعة متشابهاً تمام المشابهة لمقابله في حديث الخمر.