/ صفحة 382/
ونذكر فيما يتعلق بمصر على الخصوص أن هذه المقاومة الشعبية بدأت تضمحل في أول هذا القرن العشرين، بسبب حادث تاريخي خاص أثار فيها أزمة مالية وأزمة نفسية في وقت واحد. نعم لقد حدث إذ ذاك أن امتنعت المصارف الأجنبية المؤسسة في مصر عن مد يدها بالقرض إلى الشعب المصري، فأصبح الشعب وقد وجد نفسه أمام محظورين لا مخرج له منهما: اما أن يلجأ إلى المرابين الين ليس في قلوبهم رحمة يقترض منهم بأفدح الربا وأخطره، وأما أن ينشىء شركة مالية برؤوس أموال وطنية خالصة، يقترض منها المحتاجون بشروط غير مجحفة.
ومالت بعض النفوس إلى اختيار الشق الثاني غير أنه وقفت أمامها اعتبارات دينية قوية. إذ كيف تقوم في بلد اسلامي مؤسسة مالية مخالفة لقواعد القرآن؟
هنا لك فتح باب المناقشة في الصحف وفي الأندية المختلفة، وألقيت سلسلة من المحاضرات(1) عرضت فيها مختلف الاراء في الموضوع من حيث تحقيق المبدأ الإسلامي، فالتقت آراء أكثر المحاضرين على رفض المشروع من الوجهة الدينية.
غير أن فريقاً (منهم الكاتب المشهور المرحوم حفنى ناصف، والزعيم السياسي الوطني المرحوم عبد العزيز جاويش) أيدوا الفكرة معتمدين على نص قرآني في دعوى أن الربا المحظور في الإسلام بالنص والاجماع إنّما هو الربا الذي يصل إلى مثل رأس المال أو يزيد عليه، وأن كل ربح ينقص عن مقدار رأس المال فهو محل بحث واختلاف في نظرهمز
ـ 2 ـ
حقيقة حكم الربا في الإسلام
أخذاً من المصادر الأولى للتشريع
هكذا نصل من طريق هذه النظرة التاريخية إلى صميم الموضوع القانوني.
ما حقيقة الأمر في نظر الشريعة الإسلامية؟ هل الإسلام يبيح الربا اليسير؟
ـــــــــــ
(1) كان ذلك في شهر ربيع الأول سنة 1326 هـ (سنة 1913 م).