/ صفحة 38 /
لا يقوم بين الشيعة والسنة فحسب، بل لا يزال رجال من أهل السنة أنفسهم يفضلون مذهبهم، وينتقصون غيره من مذاهب أهل السنة المعروفة، ويسجلون ذلك في كتبهم، بل إن إندونيسيا ـ البلد الإسلامي العظيم الذي يسود فيه المذهب الشافعي وحده ـ يقوم فيها الخلاف بين الشافعية أنفسهم، فبعضهم يتبع أفكار القدماء، وبعضهم يأخذ بالجديد من الآراء، وكل يعتمد في آرائه على المذهب ذاته، وقد أخذ الخلاف بينهما يستفحل وتتسع شقته، بل إنا لنعرف بلاداً ليس للدين فيها وزن، ولكن التعصب المذهبي يتحكم في أهلها، ومع أنهم لم يهاجموا من صادر حريتهم الدينية، وعبث بمعتقداتهم، فهم يثورون على أخوانهم لخلافت طائفية. ولا يتركون مناسبة تمر دون أن يطعنوا فيهم.
لنا أن نعترف مع الأسف بأن القطيعة موجودة بين أبناء الدين الواحد أكثر مما هي بينهم وبين من ليسوا على دينهم، ومع هذا فنحن نتفق مع الفريق القائل أن تهذب الأفكار، وتبصر العقول لهما أحسن الأثر في تسهيل مهمة التقريب.
بقى لنا أن نتكلم عن فريق ثالث يتخذ سبيلا وسطا، ويرى ما تراه جماعة التقريب، وإني لو اثق أن التقريب ـ كما وضعوا منهاجه ـ سيحصل إن شاء الله اقول هذا، لا استناداً إلى كثرة عدد هذا الفريق، وهو الغالبية العظمى، ولا اعتماداً على منهاج الجماعة المستقيم، وقوة إيمانها وصبرها ـ وكل هذا له أهميته ـ بل أقوله ذلك لأن الفكرة قائمة على إيجاد التعارف والدعوة إلى التثبت قبل الحكم، وهذا منطق جبار يشق طريقه ويسحق كل من يقف في سبيله؛ وهذا التعارف سيكون أساسه التحكم في العواطف، وعدم إثارة الشعور بالطعن والتجريح، فإن هذا سبَّب في الماضي اتساع شقة الخلاف والتنافر والتباغض التي انتهت بالمسلمين إلى التقاطع والتدابر، وبمراعاة ذلك تتمكن كل طائفة أن تسمع الآخرين صوتها، ولو قصدت طائفة إثبات مذهبها أو الرد على غيرها، فإن التزام الحسنى أشد تأثيرا. والنقد النزيه أقوى نفوذا.