/ صفحة 37 /
لا ننكر أن الخلاف وقع بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولو زعمنا أن الأوائل لم يمكن بينهم أي خلاف لجانبنا الحق، ومن له أقل إلمام بالتاريخ لا يمكنه أن يزعم ذلك. بيد أنهم حصروا الخلاف في دائرته المعقولة، ولم يجعلوا له أثراً يضر بالوحدة الإسلامية، ولا أعطوا به فرصة لأعداء الإسلام. كان خلافا في الرأي لا تشاجرا، والخلاف في الرأي من طبيعة الإنسان، وتحتمه البيئات وتطور الزمن، وليس لأية قوة أن تمتعه ولا ضرر منه، بوصفه خلافا، إنّما الضرر في أن يتطور إلى تشاتم وتخاصم ولنأخذ دليل ذلك من التاريخ، تاريخ الإسلام نفسه، في قصة حدوث الخلاف بين السنة والشيعة بالذات. إن اختلاف الرأي لم يخلق بين المسلمين معركة الخصام، حتى إذا استباح بعضهم الإسفاف والمسبة ظهرت المقاومة العنيفة، واضطرب الأمر، ولم يستقر بعد ذلك بل انتهى إلى خصومة مريرة، فقامت الحروب، واشتدت المعارك بين أبناء دين واحد، وسلت على المسلمين الآمنين سيوف كان أولى بها أن تسل على الأعداء.
ليست جماعة التقريب تريد القضاء على كل خلاف، ولا تفكر في ذلك، ولا تبتغي أن يتشيع السني، أو يتسنن الشيعي، حتى توصف رسالتها بأنها مستحيلة، إنها مع النظر إلى الخلافت تسعى للتقريب وتنادي بلزوم التعارف.
نعم إن الجماعة ترى أن كثيراً من الخلافات تحل في ظل التعارف، إما لأنها نشأت عن اعتقاد إحدى الطائفتين خطأ أن الأخرى تعتقد أموراً يتضح بعد التعارف خطأ نسبتها إليها، أو لأنها جاءت نتيجة دليل معقول أو أصل مقبول، فتقبلها الأولى، أو لأنها تستند إلى أساس وإدلة إن لم يكن مقبولة عند الأولى، فقد ثبت عندها اعتبارها، وعندئذ تلتمس عذرا لمن يعمل بها، فإذا أضفنا إلى هذا أن الطوائف المشتركة في الجماعة متفقة على الأصول التي يجب على المسلم أن يدين أيها ليكون مسلماً، ظهرت سخافة الاعتقاد باستحالة التقريب بين تلك الطوائف.
وأما الفريق الثاني فلوانعم النظر لأدرك أن الخلاف واقع فعلا، وأنه