/ صفحة 379/
من يقول ان الربا ليس معصية يعد ملحداً خارجا عن الدين)) وقول الأب بونى: ((ان المرابين يفقدون شرفهم في الحياة الدنيا، وليسوا أهلا للتكفين بعد موتهم))(1).
أوربا المسيحية:
هذه النظرة الدينية أقرها القانون المدني الأوربي في سنة 789 (مرسوم ايكس لا شابيل) وبقيت هي المذهب الوحيد في أوربا طوال القرون الوسطى، ولكنها بدأت تفقد مناعتها شيئا فشيئا منذ عصر النهضة، على أثر الاعتراضات المتكررة التي وجهت إليها بين القرنين السادس عشر والثامن عشر من (كالفان) إلى (مونتيسكيو) وكان لهذا الضعف مظهران: مظهر عملي، ومظهر تشريعي. فأما المظهر العملي فهوان بعض الملوك والرؤساء الدينيين أنفسهم أخذوا يجترئون على انتهاك هذا التحريم علنا. من ذلك أن (لويس الرابع عشر) اقترض بالربا ليسدد ثمن دانكرك في سنة 1662 وأن البابا (پي التاسع) تعامل بالربا في سنة 1860. وأما المظهر التشريعي فهوانه منذ آخر القرن السادس عشر (1593) وضع استثناء لهذا الحظر في أموال القاصرين(2) فصار يباح تثميرها بالربا باذن من القاضي.
أما الضربة القاضية التي وجهت إلى هذه النظرة الدينية فقد حملتها إليها الثورة الفرنسية حيث احتضنت المذهب المعارض وجعلته مبدأ رسمياً منذ قررت الجمعية العمومية في الأمر الصادر بتاريخ 12 أكتوبر سنة 1789 أنه يجوز لكل أحد أن يتعامل بالربا في حدود خاصة يعينها القانون.
بلاد العرب قبل الإسلام:
لم يكن قد بقى لعرب الجزيرة في الجاهلية من التراث الديني الذي تركه جدهم، أبو الانبياء، ابراهيم (عليه السلام)، الا آثار قليلة لا تخلومن التحريف. ولذلك
ـــــــــــ
(1) انظر پانكال في مراسلاته الاقليمية، الخطاب الثامن Pascai Les Provinciales
(2) قارن هذا بالرخصة التي أخذت بها المحاكم في عهد الدولة العثمانية، اعتماداً على الفتوى الواردة في كتب الحنفية.