/ صفحة 323 /
ولما عاد إلى إيران استقبله الشاه عباس الصفوى بحفاوة عظيمة، وقلده مشيخة الإسلام في أصفهان، وهي إذ ذاك دار السلطنة وعاصمة الدولة.
وكما تميز البهاء العاملى في جميع العلوم المعرفة في زمنه، وكان بذلك عالمى التفكير واسع الثقافة، كذلك تميز في عاطفته الدينية الإسلامية ببعد النظر فكان أينما حل في أسفاره بين طائفة من المسلمين يعرفهم بخير ما عند سائر الطوائف الإسلامية، ويقتبس ما عند هذه الطائفة من خير، فهو بلاشك شيعى مخلص، مدحه كل من عرفه من علماء السنة وأهل التصوف، وكان هو لايغمط أحدا حقه بل كان يعظم بعض المخالفين اعترافا بما قد يوجد عندهم من علم أو فضل. ولعله كان يحذوفي ذلك حذو السيد المرتضى الذي اعتاد أن يترجل إذا مرّ بقبر أبي اسحاق الصابى وهو راكب، تعظيما لما عهده فيه من أدب وعلم، بالرغم مما بينهما في الدين من اختلاف بعيد. والحقيقة هي أن البهاء العاملى كان صديقا لبعض العلماء من أهل السنة، وكانت له مشاركة في علوم السنة، وليس هذا بمستنكر، وكان أيضاً صديقاً لبعض الصوفية، وهو كثير الاشارة إلى "الأستاذ الأعظم الشيخ محمد البكرى" صاحبه في مصر، وليس بمستغرب بحال من الأحوال أن يكون لشيخ الإسلام في دولة السلطان عباس الصفوى مشاركة في التصوف، لأن الصفويين كانوا يشجعونه، وليس يتعارض هذا كله أدنى تعارض مع حبه لآل النبي، وتشيعه لهم(1)
وبالجملة فان أصدق وصف لهذا العالم الكبير، هو ما جاء في كتاب: "أمل الآمل" ونصه: "كان ماهراً متبحراً جامعاً كاملا شاعراً أدبياً منشئا عديم النظير في زمانه في الفقه والحديث والمعانى والبيان والرياضى وغيرها" (2). وقد
ـــــــــــــــــــــ
(1) راجع في ذكر أقوال المؤرخين من الشيعة وأهل السنة فيه كتاب روضات الجنات ص 635
(2) كتاب أمل الآمل في ذكر علماء جبل عامل للشيخ محمد بن الحسن بن على الحر العاملى ص 350 من طبعة طهران سنة 1307 ه