/ صفحة 309 /
وجمهور المسلمين الآن يذهب إلى جواز تأويل المتشابه، ويرى أنه إذا تعارض دليل النقل، ودليل العقل، وجب تأويل دليل النقل بما يوافق دليل العقل، والتأويل اجتهاد في النص، فيجب أن يباح لمن يبلغ رتبة الاجتهاد من العلماء وأن ينظر إلى المجتهد فيه كما ينظر إلى المجتهد في الفروع، وأن يقبل الخلاف فيه كما يقبل الخلاف فيها، لأن اباحة الاجتهاد في شيء تقتضى اباحة الخلاف فيه، إذ لا يباح الاجتهاد الا فيما لا يقين فيه بدليل نقلى أو عقلى، وعند فقد اليقين يأتى الخلاف ويتشعب الرأى، ولا يليق بسماحة الدين أن يضيق في مثل هذا الخلاف، لأنه لا يعلم فيه الحق بيقين، فيكون من التحكم الالزام فيه برأى من الآراء، بل يكون لكل مجتهد رأيه فيه، فان كان مصيباً في الواقع فهو مأجور، وان كان مخطئاً في الواقع فهو معذور، ولا يحرم من أجر على اجتهاده، وتكون ميزة المصيب عليه أنه يؤجر أجرين: أجر على اجتهاده أجر على صوابه.
وقد بلغ من تسامح القائلين بالتأويل وهم جمهور المسلمين أن ذهبوا إلى أنه لاكفر مع التأويل ولو خرق الاجماع، وقد أشار ابن رشد إلى هذا في كتابه السابق، فذكر أنه اذاكان في الشرع أشياء أجمع المسلمون على حملها على ظاهرها وأشياء أجمعوا على تأويلها، وأشياء اختلفوا فيها، فهل يجوز أن يؤدى البرهان إلى تأويل ما أجمعوا على ظاهره أو ظاهر ما أجعوا على تأويله، ثم أجاب عن هذا بأنه لايصح ذلك إذا ثبت الاجماع بطريق يقينى، وإذا كان ظنيا فقد يصح، ولهذا قال الغزالى وامام الحرمين: انه لايقطع بكفر من خرق الاجماع بالتأويل في أمثال هذه الأشياه.
ثم ذكر أنه مما يدل على أن الاجماع لايثبت في النظريات بطريق يقينى كما يثبت في العمليات ـ الفروع ـ أنه لايمكن ثبوته في مسألة ما في عصر ما الا إذا كان ذلك العصر محصوراً عندنا، وكان علماؤه معلومين عندنا بأعيانهم وعددهم ونقل الينا في المسألة مذهب كل واحد منهم بالتواتر، وصح عندنا اتفاقهم على أنه ليس في الشرع ظاهر وباطن، وأن العلم بكل مسألة لا يصح أن يكتم عن أحد،