/ صفحة 310 /
وأن الناس طريقهم واحد في علم الشريعة، وقد نقل عن كثير من الصدر الأول خلاف ذلك، كما نقل عن على رضى الله عنه أنه قال: حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟فكيف يتصور مع هذا اجماع في مسألة نظرية، ونحن نعلم أنه لايخلو عصر من
علماء يرون أن في الشرع أشياء لايصح أن يعلم حقيقتها إلاّ أهل التأويل، وهم العلماء الراسخون في العلم، وهذا بخلاف العمليات ـ الفروع ـ لأن الناس كلهم يرون افشاءها لجميع الناس على السواء فيكفى في ثبوت الاجماع فيها أن تنتشر المسألة فلا ينقل الينا فيها خلاف.
وقد ذكر ابن تيمية أن عدم الفرق في الاجتهاد بين الأصول والفروع هم قول السلف كأبى حنيفة والشافعى والثورى والظاهرى وغيرهم ـ منهاج السنة النبوية ج 3 ص 20 ـ وقد ذهب إليه بعدهم عبيدالله بن الحسن العنبرى، وحجتهم في هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجرآن، وان أخطأ فله أجر واحد" وأى حاكم أحق بهذا من الذي يحكم على الوجود بأنه كذا أوليس كذا، وما إلى هذا من المسائل العويصة في الأصول، وهؤلاء الحكام هم العلماء الذين خصهم الله تعالى بالتأويل، والخطأ المصفوح عنه هو الخطا الذي يقع منهم، والخطا الذي يقع من غير هم اثم محض، لأنه ليس من أهل التأويل مثلهم. وهذا إلى أن التصديق بالشى ء من جهة الدليل القائم بالنفس اضطرارى لا اختيارى، وإذا كان من شرط التكليف الاختيار فالمصدق بالخطا لشبهة عرضت له معذور اذاكان من أهل العلم.
وبهذا يكون الخطأ على قسمين: خطأ يعذر فيه من هومن أهل النظر فيما أخطأ فيه، كما يعذر الطبيب الماهر إذا أخطأ في صناعة الطب، وخطأ لا يعذر فيه أحد من الناس، فإذا وقع في مبادى ء الشريعة فهو كفر، وإذا وقع فيما بعد المبادىء فهو بدعة، وهذا الخطأ هو الذي يكون في الأمور التي تؤدى جميع أصناف الأدلة إلى معرفتها فتكون معرفتها ممكنة لجميع الناس، كالاقرار بالله تعالى والنبوات والسعادة والشقاء الأخرويين، فالجاحد لها كافر معاند بلسانه دون قلبه، أو بغفلته عن معرفة دليلها، لأنه إذا كان من أهل البرهان فقد جعل له سبيل