/ صفحة 308 /
الثلاث، عم التصديق بها كل انسان، الا من يجحدها عنادا بلسانه، أومن لم تتقرر عنده طرق الدعوة فيها إلى الله لاغفاله ذلك من نفسه، وخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالبعث إلى الأحمر والأسود، لتضمن شريعته طرق الدعوة إلى الله تعالى، كما جاء في قوله تعالى، "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظد الحسنة وجادلهم بالتى هي أحسن" فالحكمة اشارة إلى البرهان، والموعظة اشارة إلى الدليل الخطابى، والجدال بالتى هي أحسن اشارة إلى الدليل الجدلى.
وقد اقتضى هذا أن تختلف نصوص القرآن إلى محكم ومتشابه، كما اقتضاه نزول القرآن في أعلى درجات البلاغة، لتدخل بلاغته في اعجازه، كما يدخل غيرها من وجوه الاعجاز، ولا بد في البلاغة من استعمال أساليب المجاز والاستعارة والكناية، وما إلى هذا من أساليبها، وهذه الأساليب كثيراً ما تقتضى وجود قسم المتشابه في نصوص القرآن.
وهذا المتشابه من نصوص القرآن هو الذي اقتضى وجود الخلاف بين المسلمين في الأصول، كما يشير إلى هذا قوله تعالى: "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاءالفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به، كل من عند ربنا وما يذكر الا أولو الألباب" وقد اختلف العلماء في تأويل المتشابه، ففريق يمنعه لأنه يقف على قوله "الا الله" فيكون مما استأثر الله بعلم تأويله، وعلى الراسخين في العلم أن يؤمنوا به من غير تأويل، وربما يشهد لهذا قوله "فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله" وفريق لا يمنع التأويل لأنه يقف على قوله "والراسخون في العلم، فيكون الراسخون في العلم ممن يعلم تأويل المتشابه، ويجوز لهم أن يذهبوا إلى تأويله إذا لم يكن
قصدهم به ابتغاء الفتنة، وارادة تفريق كلمة المسلمين، وايقاع العداوة والخصام بينهم، وإنّما يكون قصدهم الوصول إلى الحقيقة، والاجتهاد في معرفة المقصود من المتشابه.