/ صفحة 290/
والوجود بعد عدم، إنّما يريد تبدل الصور وتعاقبها على الحقيقة الواحدة، أي ظهور الموجود بحق في صورة غير التي كان ظاهرا فيها من قبل، أي لا يريد المعانى التي تفهم من هذه المصطلحات في لسان الشريعة، بل ان خروج "الشىء" من صورة لاخرى، يكون من "الشىء" نفسه، لا بارادة الله تعالى. وهكذا، يقضى ابن عربي على فكرة
الخلق كما نفهمها، ويعطل الارادة الالهية(1).
ويحرص صاحب الفتوحات والفصوص حرصاً شديداً على ألا يظهر مذهبه بعيداً عن الدين وتعاليمه، ولهذا يلجأ كثيراً للقرآن يحاول أن يتخذ منه سندا لآرائه وهذا بتفسيره على ما يريد، ولنذكر لذلك مثالا واحدا:
ففي تفسير قوله تعالى: (سورة لقمان آية 16): "ان الله لطيف خبير" يرى أن الله للطافته يكون منبثاً في كل شيء، من سماء وأرض وشجر وحيوان، وما إلى ذلك مما خلق(2) حتى عجل بنى اسرائيل هو بعض تعينات أو مظاهر الذات الالهية، ولهذا صح لموسى أن يقول للسامرى الذي صنعه: "وانظر إلى الهك" إذ علم موسى أن هذا العجل هو بعض المجالى الالهية التي ظهر فيها الحق تعالى، ولهذا أيضاً كان عتب موسى على أخيه هارون عليهما السلام، إذ لم يدرك هذه الحقيقة "فان العارف من يرى الحق في كل شيء، بل يراه عين كل شيء"(3) هكذا يقول ابن عربي متناسياً تتمة الآية الكريمة، وهي: "وانظر إلى الهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفاً".
ـــــــــــــــــــــ
1- راجع مثلا في كتاب فصوص الحكم وشرحه للدكتور أبو العلا عفيفى ج 1 ص 115، 116 وج 2 ص 134، طبعة القاهرة سنة 1946 م، عند الحديث في الفصل الحادى عشر عن تكوين العالم، إذ يؤكد أن الشىء متى قال الله "كن" يوجد بنفسه بلا ارادة وخلق من الله تعالى، لأن في قوة الشىء التكون من نفسه.
2- الفصوص، نشر الدكتور عفيفى، ج 1: 188، 189
3- نفسه، ج 1: 192