/ صفحة 289 /
هذا، وابن عربي أحد فلاسفة الإسلام بلا ريب، وله مذهبه الذي كونه مستنداً في جوهره إلى الافلاطونية الحديثة، وله مدرسته التي يسير تلاميذها على هديه وفي طريقه، على أنه آثر أو اضطر إلى وضع ما وصل إليه من حقيقة في اطار كثيف من الرمز والاشارة. ويبين منه اعتماده في التعبير على عاطفته وخياله، ولا عجب! فهو، ككل الصوفيين أمثاله، حاول أن يعالج مسائل ليس من السهل ـ في رأيه ـ على العقل وحده أن يعالجها، دون اعتماد على الذوق والكشف، ولا على اللغة المتعارفة أن تعبر عن أسرارها. ومن ثم رأوا ضرورة التأويل المجازى لكثير من أي القرآن الكريم، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولهم في هذا نظراء من مفكرى اليهودية والمسيحية سبقوهم في هذا السبيل.
وهذا المذهب، أو فلسفة ابن عربي كلها التي أراد أن يشرح بها الوجود، هي "وحدة الوجود" فهذه الفكرة يراها الباحث مبثوثة في جميع كتبه، وبخاصة الفتوحات والفصوص، وفي هذا الكتاب الثاني نجد الشيخ الاكبر يقرر مذهبه في وحدة الوجود في صورته الاخيرة التي فهمها وارتضاها، كما نراه يعالج المشاكل الأخرى التي تفرعت عن هذه الفكرة، نعني فكرة وحدة الوجود، وكل هذا على نحو نعرف منه بوضوح ثباته في رأيه الذي انتهى إليه.
انه يرى أنه ليس هناك الا موجود واحد بحق، هذا الموجود ـ ولك أن تسميه بالحقيقة الوجودية أو الكلية أو بغير هذا من الاسماء ـ هو واحد باعتبار ذاته وجوهره، ومتكثر باعتبار صفاته وأسمائه التي تعرض له بحسب النسب والاضافات، أي أن لهذه الحقيقة، أو للحق، وجوداً حقيقياً في ذاته، ووجوداً اضافياً في أعيان الموجودات وهي، أي هذه الحقيقة، قديمة أزلية، وان كانت الصور التي تظهر فيها محدثة متغايرة، قلنا أن نصفها بالقدم ان أردنا بها الموجود بلا سبق عدم أو وجود الله، وبالحدوث ان أردنا بها الموجود بعد أن لم يكن وهو ما سوى الله، ولكنها مع هذا كله واحدة على كل حال.
وهنا يجب أن نلاحظ ان أبي عربي حين يتكلم عن الحدوث والخلق