/ صفحة 269 /
ويتجلى الفارق، فارقا عظيماً، بين نظام رأسمالي يأخذ بعين الاعتبار العامل الأخلاقي كعنصر أساسي، وبين نظام رأسمالي ينفى هذا العامل ولا يتعرف عليه، أن النظام الأولى "الإسلامي" يعترف بمصلحة المجتمع كضابط عام، فيحد من حرية الفرد في تصرفه الاقتصادي، حداً يظهر أثره في صالح المجتمع بيناً مقصودا، بينما نرى النظام الآخر "الأوروبي الأمريكي" فردياً عالي أبعد الحدود، فإذا صح أن انتفع المجتمع في ظله، فيكون انتفاعه عفويا وليس مقصود كالأول، وشتان بين الاقتصاد العفوي والاقتصاد الموجه!
ان مصلحة المجتمع في الاقتصاد الإسلامي، لتبدو عيانا في مظهرين عامين:
المظهر الأول: كون الاقتصاد الإسلامي، يحارب تكديس الثروة وجمعها في يدفئة قليلة، ويجنح إلى جعلها رأسماليات متوسطة وصغيرة، لأنه يحث على انفاقها في سبيل المصلحة العامة حيث يقول دستوره "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم" ولأن نظامه الارثى يفتت الثروة تفتيتا لا مثيل له في أي قانون آخر، إذا يوزع أنصبته توزيعاً واسعا فهولا يفعل كالقانون الانكليزي حيث يحصر النروة في الكبر من الأولاد، ويحرم ما عداه; كما لا يفعل فعل القوانين الأخرى التي تجهيز الوصية لكائن من كان بجميع المال، سواء أكان وارثا أم غير وارث، ويتركه لمن يناله بالصدفة(1).
إنّما يتصرف تصرف حكيم، فيعطى للقرابات أنصبة متفاوتة، وللأبعدين، ولا يسمح لصاحب الثروة أن يتصرف فيها كما يشاء الا في ثلث ثروته، ويعد هذا الثلث كثيراً. وقد نص على الغاية من ذلك الدستور القرآني، فقال في سورة الحشر، "كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم" محافظة منه على التوازن الاقتصادي في المجتمع، ولأنه
ـــــــــــــــــــــ
1- أوصت المليونيرة صاحبة شركة ما كينات سنجر للخياطة، بنصف ثروتها التي تقدر بثلاثة ملايين من الجنيهات، لمن يعثر على وصتيها، فعثر عليها عامل على شاطىء البحر قرب سان فرنسيسكوفي زجاجة طافية.! والنصف الثاني لمحاميها، وحرمت ورثتها.