/ صفحة 236 /
بتقوى الرب إلى أولى النعم وأهمها وهي نعمة الخلق ونعمة الرحم التي انتظمت الناس جميعاً والتى نشأت عن خلقهم من نفس واحدة "يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيراً ونساء واتقوا الله تساءلون به والأرحام ان الله كان عليكم رقيبا" وبهذا كان الناس في نظر القرآن على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وتباين أقطارهم أسرة واحدة، للواحد منها حق الأسرة و
عليه واجبها فلا تظالم، ولاطغيان، ولاطبقات، ولااستغلال، ولكن محبة، وتآلف، وعدل، ومساواة. وهذا أصل قرره القرآن في غير ما آية، ودعا به الانسانية إلى التصافي، والتعاون، والتواصى بالحق، والتواصى بالصبر.
و جدير بأهل الحضارة الحديثة، والثقافة البشرية أن يخلعوا أنفسهم مما كبلوها به من أغلال الجحود والنكران والتعصب، برهة من الزمن يتفهموا فيها تلك الحقيقة الواقعية التي يقررها الوحى الالهى، فيثوبوا إلى رشدهم، ويريحوا أنفسهم من عناء التكتل الجنسى، أو الاقليمى، أو الدينى، استعداد لهذه المجازر البشرية التي يسقون فيها الأرض بدماء أرحامهم واخوانهم في الانسانية التي كرمها الله وفضلها على كثير من خلقه.
هذا وتشير السورة الأخرى وهي سورة الحج بعد نداء الناس جميعا، وأمرهم بالتقوى، إلى هول يوم القيامة، يوم البعث والجزاء على الأعمال، استنهاضاً للهمم نحو عمل الخير ومكافحة الشر، وتجعل ذلك تمهيداً لاقامة الحجة على أن الساعة آتية لاريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، كما تجعل سورة النساء المبدأ الذي قررته تمهيدا يوحى إلى الناس بادىء ذى بدء بالتزام الأحكام التي شرعها الله بعد لينظموا بها أحوالهم، ويقيموا عليها شئونهم وحياتهم. "يأيها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شى ء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد".