/ صفحة 237 /

و هكذا تجىء السورة الرابعة من نصف القرآن الأول مذكرة بجانب المبدأ وتشرع ما تقتضيه السعادة في الحياة الأولى. وتجيىء السورة الرابعة من نصفه الثاني مذكرة بجانب المعاد، وما أعد فيه لمن أحسن في الأولى ولمن أساه، وبهذا وذاك يتم للناس تمثل سبيل الحياتين ويعرفون سبيل السعادة في الدارين.
يجدر بنا بعد هذا أن نجمل ما عرضت له سورة النساء من أحكام وارشاد في نواحى الجماعة فنقول:
ان احتفاظ الأمم بكيانها يرتبط بأمرين عظيمين: الاستقرار الداخلى، والاستقرار الخارجى.
فالاستقرار الداخلى:أساسه صلاح الأسرة، وصلاح المال في ظل تشريع قوى عادل، مبنى على مراعاة مقتضيات الطبيعة الانسانية، مجرد من تحكيم الأهواء والشهوات، وذلك إنّما يكون إذا كان صادراً عن حكيم خبير بنزعات النفوس واتجاهاتها، تمتلىء النفس بعظمته وقوته، وغيرته على تشريعه ومحارمه.
و الاستقرار الخارجى: أساسه الحتفاظ الأمة بشخصيتها، والاستعداد المقاومة الشر الذي يطرأ عليها، والعدو الذي يطمع فيها.
و سورة النساء تكفلت بوضع أسس الأحكام التي تصلح بها هذه النواحى، ونستطيع أن نرد ما عرضت له السورة إلى الموضوعات الآتية:
الأسرة، المال، أساس الجماعة الإسلامية، مصادر التشريع، الوان التمرد على التشريع، أسس الاستقرار الخارجى، مكافحة الآراء والشبه الضارة، تتويج هذا كله بالدعوة إلى الايمان بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وما جاء به هداية ونور.
ففي نظام الأسرة أعلنت السورة أولا أن المرأة أحد العنصرين اللذين تكاثر منهما الإنسان، وجعلت ذلك نعمة توجب على الناس تقوى الله ومراقبته "يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساءً واتقوالله الذي تساءلون به والأرحام ان الله كان عليكم رقيباً".