/ صفحة 197 /
ومن كلامه (عليه السلام):
أصل الخشية لله العلم، وفرع الخشية لله الورع، وفرع الورع الدين، ونظام الدين محاسبة المرء نفسه، وآفة الورع تجويز المرء لنفسه الصغيرة من فعله، وأصل التدبير التمييز، وأصل التمييز الفكر، ومن لم يَجُد فكرُه تمييزُه، ومن لم يجد تمييزه لم يستحم تدبيره، والعقل كمال الإنسان، والتجربة لقاح العقل، ومن لمن ينتفع بتجربته لم ينتفع بما ركب فيه من عقله، وشكر المنة زيادة في النعمة، والنعمة لا تتم لمن رزقها إلا بشكر موليها، ومن أغفل شكر الإحسان فقد استدعى لنفسه العرفان، ومن أراد ألا تفارقه نعم الله فلا يفارق شكر الله، العلم والحكمة لا ينموان مع المعصية والجهل والحيرة لا يقميان مع الطاعة، ومن وُفق أمِن من الزلل، ومن خُذل لم يتم له عمل، ولم يبلغ غاية من الأمل، ومن قوِى ناظرٌ قلبه لم يضره ضعف بضره (فإنها لا تعمي الأبصارُ) ولكن تعمي القلوبُ التي في الصدرو).
ومن فقهه: ما رواه بعضهم من أن رجلا ادعى على آخر حقاً في مجلسه (عليه السلام)، فأنكر المدعي عليه وسأله البينة فأتى بها فحلَّف الشهود، قال الراوي: فعجبت من ذلك، فلما تفرق الناس دنوت منه فقلت: أيها الإمام: رأيتك حلفت الشهود، قال: وما تنكر من هذا؟ إني أردت أن أحتاط، وقد داخلني في هؤلاء الشهود بعض التهمة، وهذا قول طاوس من التابعين، وأصله قول الله عز وجل: (فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما).
لا شك أن رجلا له هذا الأفق الواسع، وتلك القدرة المحيطة بألوان العلم والتفكير جدير بأن يكون من أصحاب التوجيه، وأعلام الهداية، وأن تكون شخصيته ذات آثار بعيدة حيثما حل.
وهذا هو سر ما حفظه التاريخ من نجاح الإمام الهادي إلى الحق في تأسيس الدولة الهاشمية والمذهب الزيدي في اليمن على أساس من الحق والتقوى، يجمع بين الحنكة والقوة والتجربة والعلم والدين.