/ صفحة 198 /
كانت اليمن قبل هذا الإمام العظيم بلاداً قد امتلأت بالجور والقبائح، وفشت بين أهلها أقوال أهل المذاهب الباطلة كالقرامطة والجبرية وغيرهم، وكان أهلها متخاصمين متخاذلين، لا تفتر من بينهم العداوات، ولا تنطفئ نيران الأحقاد، وقد خرج إليهم (عليه السلام) مرتين، فأما المرة الأولى فكان خروجه سنة 280 هـ حتى بلغ موضعاً يقال له الشرفة بالقرب من صنعاء، فأذعن له الناس بالطاعة، وأقام مدة يسيرة، ثم خذله أهل البلاد، وغلب عليهم العصيان لله، والخذلان لإمامهم، فعاد (عليه السلام) إلى الحجاز، وعم أهل اليمن بعده البلاء المبين، وعادوا إلى ما كانوا عليه من الفوضى واتباع الأهواء، والركون إلى أهل البدع، والجدال في الآراء، فلما عضهم البلاء بنابه كتبوا إليه (عليه السلام) يعتذرون مما فعلوا، ويبرءون إلى الله منه، ويخبرونه بتوبتهم وحاجتهم إليه، ويستهضونه في العودة إليهم، فوصلت كتبهم إليه في ذي القعدة سنة 283هـ، فأزمع إجابتهم إلى ما طلبوا رغبة في إحياء الدين، وطمس آثار الضلال، وخرج بشيعته وسادات أهله حتى انتهى إلى صعدة لستة أيام خلت من صفر سنة 284هـ، وبينهم الفتن العظيمة، فعمهم الصلح وأصبحوا بنعمة الله إخوانا(1).
وقد نشر في هذه البلاد السعيدة علمه، وأورثهم الأئمة الصالحين من ذريته المباركة، فهم أصحاب الدولة الشرعية القائمة على عواتق اليمنيين ورضاهم، وقد سار على مذهبه، وقلده في اجتهاداته كثير من أهل اليمن ولا سيما أهل الجبال، وقام أبناؤه والعلماء المعاصرون له فمن بعدهم بخدمة مذهبه، واستخرجوا من نصوصه تخريجات مذهبية على طريقة علماء المذاهب الأربعة عند علماء السنة، وظهرت مؤلفاته في بلاد جيلان وديلمان، وكان الاتصال بين اليمن وتلك الأقطار بالمراسلة