/ صفحة 190 /
الواسعة هذه نحو الجنوب، إذ ينتشر الذباب الذي يحمل مرض (الغَفار) من أخطر الأمراض التي تتعرض لها الجمال. كما أنه لا يستطيع أن يتجاوز في حركاته دائرة العرض الثامنة عشرة في غرب النيل، حيث يسود الجفاف، وتضن الأرض، فلا تخرج من الحشائش ما يكفيه. وإن يكن هو الحيوان القنوع. ولكنه في الجانب الشرقي من النيل يستطيع أن يمد نفوده، وأن يتصل لشقيقه في صحراء مصر الشرقية، إذ كانت الطبيعة في هذه الجهات أوفر كرما وأعظم سخاء، فاستطاعت مرتفعات البحر الأحمر أن تجبر السماء على أن تسقط شيئاً من المطر بين الحين والحين. وهو مطر وإن يكن قليلا في كميته، إلا أنه عظيم في قيمته فقد جعل هذه المنطقة من أراضي السودان شبيهة بالصحراء بدلا من أن تكون صحراء حقة كما في الغرب.
ويختلف الجمل في غرب النيل عنه في شرقه، فهو في المنطقة الأولى من النوع الثقيل، الذي يربي للحمه ولبنه ووبره، وهو في الأخرى من النوع الخفيف، يقتنى كدابة حمل وركوب.
ورعاة الإبل في غرب النيل من العرب الرحل، وأوفرُ قبائلهم عدداً وأعظمها ثروة، قبائل الكبابيش، أما رعاة الشرق، فمن البچة الذين ـ وان كانوا يحيون نفس الحياة، ويسيرون على نفس النظام ـ إلا أنهم يختلفون في أصولهم الجنسية، فليسوا عرباً ساميين كقبائل الغرب، بل عناصر تغلب عليها الدماء الحامية، وما زالت لهم لغتهم الأصلية المعروفة (بالتبدادية) بجانب اللغة العربية، التي ينطقون بها في لهجة خاصة.
أما أرض البقر فتمتد إلى الجنوب من دائرة العرض الثالثة عشرة. وللبقرة هناك مكان مرموق، فهي وحدها مظهر الغنى والجاه، وباعدادها يتفاخر القوم ويتباهون؛ بل وبرماد روثها في بعض الجهات يتطهرون ويتزينون، وهي أداة التبادل والتعامل، تدفع بها المهور عند الزواج، وتقدم منها الدية في القتل، وتقرب منها إلى الآلهة القرابين، وليس لفتى جنوب السودان من أمل إلا أن