/ صفحة 189 /
ويحكمها سلطان منهم هو الشيخ محمد الطاهر، الذي وفد هو وجماعته إلى الجزيرة عندما بدأت مشروعات الزراعة في أراضيها منذ ربع قرن، حيث استقر هو وأتباعه، ومع إن القوم يتكلمون العربية، إلا أن لغتهم الأصلية ما زالت هي لغة التخاطب الأولى. ولقد لقينا السلطان بحفاوة، وتحدث معنا حديثاً شائقاً متشعباً، ذكر فيه مصر وأفضالها، والأزهر المعمور ورسالته؛ وود لو بعثت مصر إلى قومه من يفقههم في الدين، ويبصرهم بأحكامه، فالفلاتة شعب متدين، ولكن إلمامه بأمور الدين سطحي لا عمق فيه.
أما فيما عدا هؤلاء وهؤلاء، فسكان السودان جميعاً من أبنائه الخلص، ولدوا فيه، وارتبطوا بأراضيه. وهم قليلو العدد جداً بالنسبة إلى تلك المساحة الواسعة، التي ينزلون فيها. ولعل السبب في ذلك يرجع إلى الحالة الاقتصادية التي عليها السودان الآن.
فليست الثروة المعدنية بالمستغلة، بل ولا بالمعروفة؛ ولم تصل الزراعة ـ وإن تكن قد تقدمت في السنوات الأخيرة ـ إلى ما يرجى لها من مكانة، وما زالت لحرفة المرعي السيادة بين الحرف التي يأخذ بأسبابها السودانيون، ويزاولونها في ظروف تحول دون تقدمها ورقيها. ولا نستطيع أن نخلي المناخ والأحوال الجوية من المسئولية في هذا الشأن، فهي التي حتمت على كثير من السودانيين أن يحيوا حياة رحلة وانتقال، سعياً وراء الماء، وانتجاعاً لمواطن الكلا.. وهي التي حددت أيضاً أنواع الحرف الإضافية التي يتشغل بها القوم بجانب الرعى، وهي حرف لها أهميتها الخاصة، إذ أنها العامل المرجح بين العسر واليسر في كثير من جهات السودان.
ويمكن أن نقسم قبائل السودان بصفة عامة إلى ثلاث مجموعات، على أساس الحرف التي يشتغلون بها: فهناك رعاة الإبل، وهناك رعاة البقر، ثم هناك الزراع المستقرون. وتمتد ديار رعاة الإبل في شرق النيل وفي غربه، من حدود مصر الجنوبية حتى خط عرض الأبيض، ولا يمكن للجمل أن يتعدى حدود مملكته