/ صفحة 176 /
(ا) (فشوق) النفوس الحزنية إلى عالم العقول المجردة الذي تجعله الإفلاطونية الحديثة غاية من غايات الإنسان يصوره ابن عربي بصورة شعرية غزلية، ويبالغ في شعرية هذا التصوير حتى يلتبس على القارئ فهم ما يرمي إليه ابن عربي، فضلا عن أن يدرك أن هذا التصوير حكاية لفكرة فلسفية معروفة. وذا اتهم ابن عربي من خصومه كثيراً بالحب الدنيوي، وبالإفراط في الميل إلى المرأة.
فمثلا يقول:
أقبل الأرض إجلالا لو طأتها حبًّا له وأنا منه على حذر
من أجل تقييده في صورة امرأة عند التجلي فقلت النقص من بصري
ويصف الذات العلية في إحدى رسائله في كتابه)تاج الرسائل(بقوله: رائعة الجمال فائقة الجلال، واضحة الجبين، معتدلة العرنين، حسنه لقد اسيلة الخد، مريضة الاجفان، عنبرية النشر، عذبة الكلام (ب) ـ والافلاطونية الحديثة ترى وحدة الوجود فالله ليس غير العالم والعالم ليس غير الله، وترى مع ذلك وساطة مع ذلك وساطة في الخلق بين الله وبين هذا العالم المشاهد، وأن هناك عقلا يسبق هذا العالم في الوجود وله التدبير فيه، وأن هناك نفساً كلية تستمد قوتها من هذا العقل في تصوير)المادة(وتشكليها بأشكال جزئية.
وابن عربي يحكى هذه الفكرة في صورة خالية على وجه التمثيل فيقول في كتاب شجرة الكون (ص 5):)إني نظرت إلى الكون وتكوينه فرأيت الكون كله شجرة، وأصل نورها من حبة)(1)(قد لقحت)كان(الكونية بلقاح حبة)نحن خلقناكم(2)(فانعقد من ذلك ثمرة)إنا كل شيء خلقناه بقدر(3)(. فأول ما أنبتت هذه الشجرة الثلاثة أغصان: أخذ غصن ذات اليمين، وأخذ غصن منها ذات الشمال، ونبت غصن منها معتدل القامة، فكان منه السابقون المقربون.... إلى أن يقول، وجاء من فرعها الأدنى عالم الصورة والمعنى، فما كان من قشورها
(1) كملة الله = العقل الفعال. (2) النفس الكلية. (3) العالم الجزئي.