/ صفحة 175 /
والفقيه في فقهه، والمتكلم في كلامه، والمفسر في تفسيره، وأصبحت بذلك عنصراً هاما أو قليل الأهمية في تلك المعارف المختلفة، وها هو ذا ابن عربي في تفسيره لكتاب الله يقول في شرح قوله تعالى:)يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب((يمحو الله ما يشاء) عن الألواح الجزئية التي هي النفوس السماوية من النقوش الثابتة فيها فيعدم عن المواد ويفني (ويثبت) ما يشاء فيها فيوجد (وعنده أم الكتاب) أي لوح القضاء السابق الذي هو عقل الكل المنتقش بكل ما كان ويكون أزلا وأبدا على الوجه الكلي المنزه عن المحو والإثبات، فان الالواح اربعة لوح القضاء السابق العالي عن المحو والاثبات وهو لوح العقل الأول ولوح القدر: أي لوح النفس الناطقة التي يفصل فيها كليات اللوح الأول ويتعلق بأسبابها وهو المسمى باللوح المحفوظ، ولوح النفوس الجزئية السماوية التي ينتقش فيها كل ما في هذا العالم بشكله وهيئته ومقداره وهو المسمى: بالسماء الدنيا، وهو بمثابة خيال العالم، كما أن الأول بمثابة روحه، والثاني بمثابة قلبه، ثم لوح الهيولي القابل للصور في عالم الشهادة (1)، فهو يحكي نظرية الأفلاطونية الحديث في نشأة العالم عن موجده: الله فالعقل الفعال فالنفس الكلية فعقل القمر ثم المادة.. الخ.
ابن عربي كان فيلسوفا كبقية الفلاسفة الإسلاميين، تكلم في الكون وفي مبدئه وفي صدروه، وتكلم في الإنسان وفي غايته من هذه الحياة، وفي علاقته بموجده، وفي السبيل إلى تحديد هذه العلاقة، ولم يخرج في جوهر ما قال عن الإفلاطونية الحديثة، والإفلاطونية الحديثة مصدر الفلسفة الإشراقية في الثقافة الإسلامية، ومصدر كبير للتصوف الإسلامي القائم على الإلهام في المعرفة، والفناء في ذات الله ونبذ متع هذه الحياة.
ولكن ميزة ابن عربي عن الفلاسفة الإسلاميين الآخرين، أمثال: الكندي، والفارابي وابن سينا، أو أمثال الغزالي وابن مسكويه، في تصوير هذه الفكرة الفلسفية، فلم يشأ أن يحكيها أوان يشرحها بعباراتها الاصطلاحية، بل عرضها بأسلوب يكثر فيه التمثيل الشعري:
(1) تفسير ابن عربي ج 1 ص 171 طبع المطبعة الميمنية.