/ صفحة 177 /
الظاهرة، وستورها البارزة، فهو عالم الملك، وما كان من قلوبها الباطنة، ولباب معانيها الخافية، فهو عالم الملكوت، وما كان من الماء الجاري في شريانات عروقها الذي جعل به نموها وحياتها وسموها، فهو عالم الجبروت الذي هو سر كلمة (كن) ثم أحاط بالشجرة حائط حد لها حدوداً ورسم لها رسوماً فحدودها الجهات.... وأما رسومها وما فيها من الأفلاك والأجرام والأثار فهي بمنزلة ما يستظل به من الأوراق).
(جـ) وإذا كانت الإفلاطونية الحديثة تحدد غاية الإنسان من هذه الحياة بمكافحة شرور المادة والعمل على أن يكون الإنسان عقلا محضا فيقترب بذلك من الخير المطلق، وتحاول تعليل شرية المادة مع أنها صادرة عن خير محض وهو الله ـ بأمر يتصل بالغرض أو العقيدة، فابن عربي يصور ذلك بقصة خيالية لها أثرها الشعري على النفوس وامتلاك أزمتها وإن لم يفز فيها بعنصر منطقي أكثر مما فازت به الإفلاطونية الحديثة نفسها. فهو يتخذ من (العقل الفعال) خليفة لله في ملكه، ويتخذ من (النفس) زوجة له، ثم يفرض من (الهوى) أميراً جميلا، قوي الشكيمة، ينازع الخليفة سلطته، ويجعل لهذا الأمير معيناً هو (الشهوة)، ثم يعقد صلة غرام بين النفس زوجة الخليفة وبين الهوى منازعه. ونتيجة هذا الغرام حيرة النفس بين أن تبقى على عهدها للعقل أوان تستمر في حب هذا الأمير الجميل.
وهكذا الحياة للإنسان، في نظر ابن عربي، صراع بين الخير والشر، وهكذا كانت النفس الإنسانية أمارة بالسوء مرة ومطمئنة مرة أخرى.
شخصية ابن عربي واضحة وغامضة؟ واضحة في تمثيلها ثقافة عصره، وغامضة في أنها لم تبرز صريح رأيه ومعتقده، وأغلب الظن أن هذا الغموض مرجعه شغف ابن عربي باستخدام (القصة) في الفلسفة، والخيال في التعبير عن الفكر، وإن كان هو يعلله يقوله: (ليس في مستطاع أهل المعرفة أيصال شعورهم إلى غيرهم، وغاية ما في هذا المستطاع الرمز عن تلك الظواهر لألئك الذين أخذوا في ممارستها).