/ صفحة 168 /
وفي كل لحظة يتصلون به، والأخبار الإلهية، والأحكام الهامة، يحرصون على معرفتها، فما بالك إذا كانت في القرآن، وإباحة قراءته بأحرف كثيرة.
لقد كانت الحوادث متقاربة متتابعة، وأيضاً مفاجئة للجميع، وقد وضحها الرسول، وبينها في حزم وجلاء في أقرب فرصة وأسرع وقت، فاستيقنتها أنفسهم وزال عجبهم، وكفوا بعد ذلك عن اختلافهم وظل كل منهم يقرأ كما علم.
هذا في الواقع هو ربط الأحاديث والتوفيق بينها، وتلك مقتضيات ظروفها وملابساتها تؤيدها الروايات المختلفة والطرق المتعددة، وليس فيها من التعنت أو الفهم الخاطئ شيء، وقد أشار إلى كثير منها جلة العلماء السابقين من أعلام الإسلام، وإن كانوا لم يوضحوها كمال التوضيح. فليست المسألة مسألة إمالة وتفخيم وترقيق، إذ يناقض (1) فهم ذلك لفظ الحديث لأبي بكرة كقولك هلم وتعال واقبل(وقول أنس بن مالك خادم رسول الله حينما قرأ)وأصوب قليلا(فقال له بعض القوم: يا أبا حمزة إنّما هي أقوم، فقال: أقوم وأصوب وأهدى واحد وقول ابن شهاب، ولعله الزهري: بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنّما هي في الأمر الذي يكون واحداً لا يختلف في حلال ولا حرام، وقول الطبري: فقد أوضح نص هذا الخبر أن اختلاف الأحرف السبعة إنّما هو اختلاف ألفاظ، كقولك، هلم وتعال باتفاق المعاني، لا باختلاف معان موجبة اختلاف أحكام وقول عبد الله بن مسعود: (فإنما هو كقول أحدكم هلم وتعال).
وهذا كله يبين لنا السر في بعض الاختلاف اللفظي في قراءة بعض القراء بالنسبة إلى غيرهم، لأن السبب في اختلاف القراءات السبع وغيرها يرجع إلى أن الجهات التي وجهت إليها المصاحف التي أمر بنسخها عثمان كان بها من الصحابة من حمل عنه أهل تلك الجهة، فلما أمر عثمان بحرق ما عدا تلك المصاحف، وأن يسيروا على رسم واحد ثبت أهل كل ناحية على ما كانوا تلقوه سماعاً من الصحابة بشرط موافقة الرسم العثماني ولو احتمالا، وتركوا ما يخالف الخط امتثالا لأمر