/ صفحة 167 /
ولكن ما زال بعض الصحابة يذهبون إليه يشكون، فهذا رجل جاء إليه، فقال: أقرأني عبد الله بن مسعود سورة أقرأنيها زيد بن ثابت، وأقرنيها أبي بن كعب ـ وزيد وأبي أنصاريان خزرجيان من بني النجار ـ فاختلفت قراءتهم، فبقراءة أيهم آخذ؟ فسكت الرسول وعليّ إلى جنبه، فقال علي: ليقرأ كل إنسان كما علم، كلٌّ حسن جميل. ثم ما زال بعض الناس يختلف ويشكو فهذان رجلان قد اختلفا في القراءة، فقال هذا: أقرأني النبي. وقال هذا: أقرأني النبي، فأتى النبي فأخبر بذلك فتغير وجهه، ثم قال: اقرءوا كما علمتم، وقال: إنّما أهلك من كان قبلكم اختلافهم على أنبيائهم، فقام كل رجل وهو لا يقرأ على قراءة صاحبه(.
لقد وضح الرسول مرة وأعاد الإيضاح مرة أخرى، وما يزال الشك والشكوى فسكت ليجيب غيره بما أجاب به من قبل، ثم ما يزال الشك والشكوى مع ما علم وفهم، فغضب من اختلافهم عليه بعد أن قال: اقرءوا كما علمتم، والرسول يغضب إذا رخص في شيء، ثم يرى من يريد التشديد والعسر، فق سبق أن كان في غزوة وكان المسلمون صائمين، فشق عليهم الصيام، وبلغ الرسول ذلك، فأفطر وأمر بالإفطار، فامتثل الأكثرون وأبى أن يفطر بعض المسلمين، فغضب وقال (هلك المتنطعون) وقال:)هلك المتنطعون(وقد يعترض إنسان قائلا: لم لا تكون الحوادث السابقة في أزمان متباعدة، وأن بعضها مثلا كان عقب الهجرة؟ وأعتقد أن الجواب على هذا في غاية السهولة، فإن أمراً يحدث شكا في القلوب ويكاد يهز العقائد الراسخة ويكون في القرآن الكريم الذي يحرص جميع المسلمين على معرفة منزله، وما جاء به، وما يدور حوله، ثم لا يسمع أقرب الناس إلى الرسول وألصقهم به بالمشكلة التي حدثت، والنزاع الذي نشب، يكون من العجب بمكان. وكيف لا يدري عمر بما حدث مع أبي إن كان ذلك قد وقع في زمن سابق متباعد؟ وكيف لا يدري عبد الله بن مسعود بما حدث، والبلدة وهي المدينة تضم الجميع؟ وليست من الاتساع بحيث تخفي أحداثها عن ساكنيها، وليسوا من ذوى التنافر والفرقة بحيث لا تتصل أمورهم، ولا تتعارف حوادثهم، وهم في كل صلاة حول الرسول