/ صفحة 155 /
وجه، ويحتمل الإيمان من وجه واحد حُمل على الإيمان، ولا يجوز حمله على الكفر، وإنما كان ذلك كذلك لما رأوه من الإسراف في اتهام مفكري الإسلام في دينهم، والتسرع إلى النيل من أعلام المتكلمين في عقائدهم، ووصمهم بالزندقة في بواطنهم
ولنضرب الآن أمثلة مستقاة من التاريخ لندلل بها على خطل السياسة التي تشرك العامة في الحكم على القلوب، والسيطرة على العقائد، ومسايرة السواد في اتهام العلماء، وإرضاء الغوغاء في إنزال الاضطهاد بالحكماء، والأحرار من العلماء.
من هؤلاء شيخ المفسرين ابن جرير، يقول ياقوت في معجمه:
هو المحدث الفقيه المقرئ، كان أحد أئمة العلماء يُحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، كان حافظاً لكتاب الله عز وجل، عارفا بالقرآن، بصيرا بالمعاني فقيها بأحكام القرآن، عالما بالسنن وطرقها وصحيحها وسقيمها، حتى قال فيه أبو حامد الاسفرايني الفقيه: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصّل كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن كثيراً. رجل هذه منزلته. أتدري ما ذا كانت خاتمته؟ لقد دفن ليلا خوفا من العامة، لأنه كان يُتهم بالتشيع، وكانت الحنابلة لا تترك أحداً يسمع عليه، ولا ذنب له إلا أنه عند ما ألف كتابه (اختلاف الفقهاء) ذكر فيه اختلاف مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأبي حنيفة مع أبي يوسف ومحمد ابن الحسن ثم أبي ثور، وذكر بعضَ فقهاء الصحابة والتابعين وأتباعهم إلى أبناء المائة الثانية، ولم يذكر أحمد بن حنبل، فقصده الحنابلة وسألوه في ذلك، فقال: لم يكن أحمد فقيها، إذا كان محدثا، فأساء ذلك الحنابلة، فرموه بالرفض، وأهاجوا عليه العامة يوم وفاته، وعَدُّوا عليه هذه واحدة. أما الثانية فهي كما ذكر)كرن(في مقدمته لكتاب: (اختلاف الفقهاء) و(اتجاهات المفسرين) لحولد تسهر، إذ يقول هذا: في الأقاليم التي تسود فيها الآراء السنية، ويعترف بها مذهبا رسميا تعتمد على جماهير الشعب الساذجة في محاربة الأقليات من أهل العقل، مستغلة لهم في مناهضة هؤلاء الذين يُحدثون الضوضاء حول تعاليم أهل السنة، وفي غالب الأحيان تصاحب حركات الجماهير القسوة والغلظة، واحيانا ما يأتون