/ صفحة 153 /
أمر من الأمور لجأوا إلى أولئك العلماء يستوضحونهم، ويسمعون لآرائهم (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ثم هم يسلمون إليهم الزمام، ويلقون إليهم بالقياد، فإذا أبهم عليهم الأمر اتهموا أذهانهم بالقصور، وعقولهم بالوهن ومقدرتهم بالعجز، لا أن يتهموا العلماء في عقائدهم، ويدّعوا السيطرة على قلوبهم والحُكم على إيمانهم، فإن الله لم يجعل في الإسلام لأحد بعد الله ورسوله سلطانا على عقيدة أحد، ولا سيطرةً على إيمانه، على أن الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه، طالما خاطبه الله تعالى بأنه مبلغ ومذكر لا مهيمن ومسيطر (فذكر إنّما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) فليس لمسلم ـ مهما علا كعبه في الإسلام ـ على آخر ـ مهما انحطت منزلته فيه ـ إلا حق النصيحة والإرشاد، لا حق السيطرة على قلبه والاستبداد بعقيدته.
نعم لكل مسلم أن يفهم عن الله من كتاب الله، وعن رسول الله من كلام الرسول وإنما يكون ذلك بعد إستيفاء الوسائل والحصول على الأدوات الواجبة والثقافات اللازمة، فإن لم تسمح له حاله بالوصول إلى ذلك فليس عليه إلا أن يسأل العارفين ويستوضح الراسخين.
يقول حجة السلام الغزالي في كتابه: (إلجام العوام عن علم الكلام).
(فإن قلت: أي فائدة في مخاطبة الخلق بما لا يفهمون؟.
فالجواب أنه قصد بهذا الخطاب تفهيم من هو أهله، وهم الأولياء والراسخون في العلم من العلماء وقد فهموا وليس من شرط من يخاطب العقلاء بكلام أن يخاطبهم بما يفهم الصبيان، والعوام بالإضافة إلى العارفين كالصبيان بالإضافة إلى البالغين، ولكن على الصبيان أن يسألوا البالغين، فإن كانوا يطيقون الفهم فهّموهم، وإلا قالوا لهم: هذا ليس من شأنكم، ولستم من أهله، فخوضوا في حديث غيره (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا). (لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤلكم).
فيجب على العامي أن يعتقد أن ما انطوى عنه من المعاني وأسرارها ليس منطوياً عن العلماء الراسخين، وأنه إنّما انطوى عنه لعجزه وقصور معرفته، فلا ينبغي أن يقيس بنفسه غيره).