/ صفحة 14 /
هذا هو ما تضمنه النداء الثاني، وهو قوله تعالى
(يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. واعتصموا بحل الله جميعاً ولا تفرقوا وإذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون، ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون، ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم).
أما تقوى الله حق تقاته، فللمتقدمين في معناها عبارات: منها أن يطاع الله فلا يعصي، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، ومنها أن يجاهدوا في الله حق جهاده، ولا تأخذهم في الله اومة لائم، وأن يقوموا لله بالقسط ولوعلى أنفسهم وآبائهم وأبنائهم.
وقد أخذ بعضهم من بعض هذه العبارات: أن العباد قد كلفوا في هذه الآية بما لا طاقة لهم به، ويروون في ذلك عن ابن عباس، أنه لما نزلت هذه الآية شق الأمر على المسلمين، فانزل الله بعدها (فاتقوا الله ما استطعتم) ونسخ ذلك قوله (اتقوا الله حق تقاته) وبقى عجز الآية (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) وهذا لون ما كان لنا أن نراه في كتب التفسير، وما كان لأحد أن ينقله عن أحد في بيان معنى كلام الله، فإن تقوى الله حق تقاته، هي تقوى الله ما استطاع الإنسان. ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وهي ترجع إلى حفظ النفس من كل ما يدنسها خوفا من غضب الله وطمعاً في مرضاته، وعملا على إقرار الحق والصلاح في العالم، وأن يكون ذلك كله بقدر ما تحتمل قوى الإنسان من فعل الخير والمعروف مع الإخلاص فيهما دون تفريط في مقدور، وظاهر أنه لا تعارض بين الآيتين حتى يقال إن إحداهما ناسخة للأخرى.
وهذا الأمر يرسم للمؤمنين سبيل صلاحهم، واستقرار مجتمعهم، ويربطهم في هذا الشأن برابطة وثيقة لا تنفصم عروتها، فإن كل إنسان إذا اتقى الله وراقبه وامتلأت نفسه بعظمته، فخاف غضبه، ورجا رضاه، طهرت نفسه، وأشرق عليها