/ صفحة 13 /
ثم يذكر الله للمؤمنين الذين يتعرضون لمثل هذه المواقف أن لديهم إذا رجعوا إلى نفوسهم وقلوبهم ما يعصمهم من التردي في هذه الحفرة التي يحفرها لهم أعداؤهم، لديهم آيات الله، وفيهم رسوله، آيات الله كتابه الناطق ودلائله الصامتة، وحِكم تشريعه البينة الواضحة، ومثله الماضية والحاضرة، أما رسوله فقد كان بشخصه في الأولين، وهو بسنته وسيرته وأخلاقه في الآخرين.
وإذا كان شخص الرسول قد غاب عن أعين الآخرين، فهو حاضر في قلوبهم، ماثل في أنفسهم، ولم تنقطع أسوتهم به، ولا متابعتهم له، فهم يذكرونه في الصباح والمساء، ويسمعون النداء باسمه في كل صلاة مفروضة، ويجرون اسمه لعي ألسنتهم في كل توحيد وتشهد، فمنزلة وجوده بعد مماته هي منتزلة وجود الكتاب فيهم، كلاهما متواتر يتلقاه جيل من المؤمنين عن جيل.
وقد صح في الخبر أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه، قال: (تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدي ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي)(1) والتمسك بهما هو الاعتصام بالله الذي جعله الله وقاية من الضلال والهلاك، وسبيلا إلى النجاة والهدى (ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم).
* * *
ثم جاءت الآية الثانية تشرح لنا سبيل هذا الاعتصام، وفي هذا السبيل أوصت بأمور:
(1) تقوى الله حق تقاته.
(2) الاعتصام بحبل الله.
(3) ذكر نعمة الله في تأليف قلوبهم بعد العداوة.
(4) الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
(5) الحذر من الوقوع فيما وقع فيه السابقون من التفرق والاختلاف بعد مجيء البينات.