/ صفحة 137 /
وقد وقفت منذ ذلك دعوة الخير والإيمان، وأصبحنا لا نسمع بمعتنق لهذا الدين إلا أن يكون فرداً أو عدداً قليلا، وكثيراً ما يتبين أن لبعضهم مآرب يبتغيها ويلتمس باعتناق الإسلام تحقيقها، أما دخول أمة بأسرها في الإسلام، واعتناقها دعوة الحق، كما كان يحدث من قبل، فلم نعد نراه أو نسمع به، بل لقد شهد التاريخ أمة بأسرها من المسلمين ـ هم أهل الاندلس ـ يسامون الخسف وسوء العذاب ويفتنون عن دينهم، والمسلمون ينظرون إليهم فلا يستطيعون لهم نصرا، ولا يملكون لهم نفعاً ولا ضراً، وها نحن أولاء في عصرنا الحاضر نرى بأعيننا كيف تجمع الأموال وتحشد الجهود وتذلل الصعاب في سبيل تمكين المبشرين المسيحيين من زلزلة إيمان أهل الفطرة من المسلمين الذين وقعوا تحت نفوذهم، بل في سبيل زلزلة المثقفين من أبنائنا، وتشكيكهم فيب دينهم، وتهوين شأنه في قلوبنهم، كيلا يكون لهم حضناً يدرأ عنهم غوائل الاستعمار، ويصد جيوشه المتنوعة من مادية ومعنوية.
فالمسلمون الآن ـ كما وصفهم الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه ـ كثرة كغثاء السيل، قد وضع الله في قلوبهم الوهن، ونزع هيبتهم من قلوب أعدائهم، ولا شك أنهم في وضعهم هذا غير صالحين للدعوة إلى الله، لا بمظهرهم وأحوالهم فإنه مظهر غير كريم، ولا بحرارة إيمانهم وقوة يقينهم، فقد انطفأت هذه الحرارة من قلوبهم، وضعفت هذه القوة فيهم، وقد جبل الناس علي أن ينظروا إلى أرباب الدعوات قبل أن يستمعوا إليهم، فإذا وجدوهم صالحين أقوياء مؤمنين بما يدعون إليه، عاملين به، كان ذلك من أسباب قبول دعوتهم، والاستجابة لهم، وإن كانت الأخرى سخروا منهم، واشمأزوا من الاتنساب إليهم، وإني لأعتقد أن أكبر صارف لأهل المدنيات الحاضره عن اعتناق الإسلام هو حالة أهله التي تثير الاشمئزاز منهم، وتصد عن دينهم، ولا شك أنهم بذلك يظلمون الإسلام، ولكن أهل الإسلام له أظلم لوكانوا يعلمون.