/ صفحة 136 /
وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله). (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا).
فإذا أوفوا بعهد الله إليهم، فصانوا الأمانة، وبلغوا الدعوة؛ كانوا جديرين بنصر الله وتأييده (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم). (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور).
وإذا ضيعوا الأمانة وآروا الدنيا ومتاعها على الله ورسوله وجهاد في سبيله فليتربصوا (حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين).
* * *
ولقد قام المسلمون الأولون بأعباء هذه الأمانة قياماً حسناً، وشروا أنفسهم وأموالهم لله في سبيلها، ففتح الله عليهم مشارق الأرض ومغاربها، وأراهم آيته الكبرى في نصرهم على قلتهم، ودخول الناس أفواجا في ملتهم، وتساقط الدول الحضارات أمام دولتهم وحضارتهم، وما كان ذلك إلا لأنهم كانوا صادقين في إيمانهم، نازلين على أمر ربهم، فكانوا بذلك صالحين، وكانوا بصلاحهم ومظاهر عدلهم واستقامتهم ونجاحهم دعاة عمليين لدينهم، تسبقهم شهرتهم، وتتقدمهم في الأمم هيبتهم، وتتفتح القلوب لدعوتهم قبل ان تتفتح الحصون والبلاد أمام قوتهم وبسالتهم، وظلوا كذلك يحالفهم النصر أينما توجهوا، ترفرف عليهم العزة والسلطان والقوة، حتى غيروا ما بأنفسهم فغير الله عليهم (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
فرطوا في أمانة الله فكان ذلك تفريطا في أنفسهم (ومن نكث فإنما ينكث عي نفسه) وتنازلوا عن أسباب سيادتهم وعزتهم فاستحقوا الضياع والسقوط كما تقضي بذلك سنة الله في خلقه، حيث لا يحابي احدا، وإنما يورث الأرض عباده الصالحين نولا ينمكن منها إلا الذين يقيمون القسط فيها.