/ صفحة 131 /
خالياً من الثقة به، فاقداً للروح المعنوية التي لا ثبات إلا بها، ولا نصر إلا على أساسها، فالإشراك بالله علة مؤثرة لتخاذله وتراخيه ورعبه واصطرابه، ويفهم من هذا أن الإيمان بالله، والثقة بوعده، علة مؤثرة للقوة المعنوية، والشجاعة الحسية، والثبات على الشدائد، ومقارعة الأهوال، وانظر في ذلك قوله تعالى:
(الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا، وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء، واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم، إنّما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين).
* * *
النداء السادس قوله تعالى:
(يأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون).
وقد ختمت السورة بهذا النداء الجامع القوي، الذي يدخل فيه كل ما سبقه من النداءات، والذي يعد برأسه مع هذا الاختصار دستوراً للفلاح والنجاح لا يعادله دستور.
تضمن هذا النداء أربعة أوامر إلهية:
أولها قوله تعالى (اصبروا)، والصبر عدة في الحياة فإن الحياة كدح وجهاد، وأكثر ما فيها صعاب ومشاق، فإذا يم يكن المرء مسلحا فيها بسلاح الصبر، اهتزت أعصابه وتحطمت، وصار ضعيفا عاجزاً عن مواصلة السير فيها، وقد علمتنا الأحداث والأزمات التي مرت بالعالم أخيرا إن الأمم التي اعصتمت بالصبر، وقويت أعصابها على احتمال الصدمات دون أن تضطرب أو يفلت منها الزمام، هي التي كسبت، وهي التي نجحت، وكذلك الشأن في الأفراد، وهذا هو السر في أن القرآن الكريم غنى بالصبر، وأكثر من حث المؤمنين عليه، وسلك كل سبيل للترغيب فيه، وأمر ذلك معروف مشهور.