/ صفحة 132 /
ثانيها قوله تعالى: (وصابروا) والمصابرة هي المغالبة في الصبر، فهولا يطلب منهم أن يصبروا في أنفسهم فقط، ولكن أن يغالبوا أعداءهم في الصبر، فالصبر يكون في كل ما يصيب المرء من أزمات تقع عليه خاصة. والمصابرة تكون فيما يصيب المرء ويصيب أعداءه من شدائد في مثل الحرب والجهاد، وقد جاء الأمر بالمصابرة في قوله تعالى: (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله) أي فلا يغلبوكم بالصبر على قرحهم، أكثر من صبركم على قرحكم، وفي قوله تعالى: (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون ن الله ما لا يرجون) أي فعندكم سبب للتفوق والغلب ليس عندهم مع استوائكم وإياهم في تحمل الأذي والألم.
ثالثها قوله تعالى: (ورابطوا) والرباط هو اللزوم والثبات، وأصلة من الربط بمعنى الشد، وهو عزيمة يعزمها المؤمن بالشيء فيربط الله بها على قلبه فلا يتحول ولا يتزلزل.
وكل أمر حرص الإنسان على لزومه أو التزامه فقد رابط عليه وارتبط به، ومنه الرباط الذي يكون في الثغور، ورباط الخيل أي ربطها للحرب والجهاد وتخصيصها بذلك، والرباط الذي هوانتظار الصلاة بعد الصلاة، وغير ذلك.
والله سبحانه وتعالى يوصي المؤمنين بأن يكونوا ذوى عزائم ثابتة في كل شيء، وأن يكونوا مرابطين في كل ما يصلح نفوسهم وأحوالهم وشئون أمتهم، حذرين من أن يتسرب إلى أية ناحية من هذه النواحي خلل أو فساد أو وهن، كما يقف المرابط في الثغر يحرسه من أن يدلف إليه عدو، أو يتطلع إلى أسراره جاسوس.
رابعها قوله تعالى: (واتقوا الله) والتقوى هي الوصية العامة التي يكثر القرآن من إيصاء المؤمنين بها، وقد تقدم الكلام عليها في أول هذه النداءات.
وقد ختمت هذه الأوامر الإلهية الأربعة بقوله تعالى: (لعلكم تفلحون) إشارة إلى أن الفلاح مرجو لمن استجاب لها، وقام بها، وهو يشمل فلاح الدنيا وفلاح الآخرة.