/ صفحة 130 /
بالقوة والجلد مع أنه ممتلئ القلب بالرعب والخوف، ولوانه وجد أمامه ثباتا في المقاومة، وثقة في المغالبة، لخر صريعاً،
ولقد كان المؤمنون الأولون أقوياء بإيمانهم، لا تزلزلهم عنه فتنة، ولا يصرفهم عن نصرته متاع، كانوا واثقين بالله ورسوله ثقة لا يخالجها شك، ولا يفسدها تردد، كان يستوي لديهم إذا خرجوا مجاهدين في سبيل الله أن يموتوا مستشهدين، أو يعودوا منتصرين (قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين).
ولذلك كانت هيبتهم عظيمة، فكان الكافر يرى نفسه أمام قوم باعوا أنفسهم بيع السماح، يبسمون للموت، ويقبلون عليه كأنهم يقبلون على رغبة من رغباتهم، أو شهوة من شهواتهم، ويحسن منهم بالعزيمة الصادقة، والإرادة القوية، بينما يعلم في نفسه أنه يحارب عناداً وتكذيباً والتماساً لبقاء مجده وعزه الدنيوي، فلا تلبث قواه أن تخور، ولا تلبث عزيمته أن تنحل، ولا يشعر بنفسه إلا وقد استولى عليه الرعب، وأخذه الجبن.
وقد ظل أمر المؤمنين على ذلك ينصرهم الله بالرعب الذي يلقيه في قلوب أعدائهم، حتى كانت تفتح لهم أبواب البلاد،
وتفر أمامهم الجيوش التي تربوعلى جيوشهم في العدد والعُدد، وتسبقهم شهرتهم بالعدل والإنصاف ومحبة الحق حتى تتكسر أصنام الحكم والسلطان، وتخر عروش الجبروت والطغيان، قبل أن يتحركوا من بلادهم، ظلوا على ذلك حتى غيروا ما بأنفسهم فغير الله عليهم، فأصبحوا غثاء كغثاء السيل نزع الله هيبتهم من قلوب أعدائهم، وصاروا كقصعة يتداعى إليها الآكلون.
فينبغي أن نعلم أن سنة الله إلقاء الرعب في قلوب الكافرين مرتبطة باستقامة المؤمنين على صراط الإيمان، وهذا هو السر في أن الكفار لا يهابوننا الآن، ولا يعبأون بنا مثال ذرة، وقد جعل الله تعالى علة إلقاء الرعب في قلوبهم هي إشراكهم بالله ما لم ينزل به سلطانا، وهي علة تؤثر فيهم الضعف وتزلزلهم عن مواقف الثبات والشجاعة، فإن الكافر يكون دائما ً موزع القلب بين من سوى الله