/ صفحة 129 /
وإن تاريخ الاستعمار على ذلك لشهيد، فما من شعب كان للمستعمرين سلطان عليه، أو نفوذ فيه، إلا أحيوا فيه العصبية، وأوقدوا في قلوب أهله نيران الخصومة لإخوانهم، فهم يقطعون في داخل البلاد أواصر الأخوة والقربى باسم الخلافات الحزبية، ويقطعون في خارجها صلات المحبة والتعارف باسم الخلافات الطائفية، ولا يزالون يغذون هذه النيران بما استطاعوا حتى تأتي على كل شيء، وقد حفظ التاريخ في هذه الناحية صوراً كريهة احترب فيها المسلمون بعضهم مع بعض في الشعب الواحد، فكان منهم قاتلون ومقتولون تحت راية الغاصب المحتل وأي شيء أفظع من أن يقتل الأخ أخاه بتغرير عدوهما المشترك؟.
ولواننا معشر المسلمين عملنا بإرشاد الله لنا، وبما تضمنه كتابه الحكيم من هداية وتعليم، لما كان هذا شأننا معهم، ولما كنا أطعناهم فمكناهم بهذه الطاعة من أعناقنا، وأعناهم على أنفسنا.
الأمر الثاني: تقرير ولاية الله للمؤمنين، وكفالته إياهم بالنصر، وهو خير الناصرين.
ولا شك أن المؤمن القوي الإيمان لا يعتمد إلا على ربه، ولا يطلب النصر إلا منه (وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم).
والله سبحانه وتعالى لا يخذل المؤمنين أبدا، لأنه وعد ووعده الحق لينصرن من ينصره، وليثبتن أقدام المؤمنين، فإذا وجدنا أنفسنا في وقت ما مخذولين، ووجدنا أعداءنا علينا متسلطين، فليس لنا أن نشك في وعد الله، ولكن علينا أن نسائل أنفسنا أين نحن من الإيمان؟ وأين نحن من نصر الله؟ وأين نحن من التضحية في سبيله بالمال والولد والمتاع؟.
الأمر الثالث: وعد الله جل شأنه بإلقاء الرعب في قلوب الذين كفروا بسبب إشراكهم.
وهذه سنة من سنن الله في الخلق في كل معاند للحق وهو يعلمه، تراه متظاهراً